نيجيريا تعيد رسم استراتيجيتها ضد التطرف

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تجد نيجيريا نفسها أمام تحد مصيري في معركتها الممتدة مع الجماعات المتطرفة في شمال شرق البلاد، حيث باتت قضية العناصر العائدين من بوكو حرام والفصائل المنشقة عنها واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا.

 ويتزامن ذلك مع تزايد موجات الاستسلام خلال العامين الأخيرين، ما فرض على الحكومة التعامل مع واقع جديد قائم على ضرورة الانتقال من الحلول العسكرية الخشنة إلى مقاربة أعمق تركز على إعادة التأهيل وإعادة الإدماج المجتمعي.

 ورغم الجدل الكبير بين المؤيدين والمعارضين، بدأت برامج إعادة الدمج تتحول إلى رهان أساسي للسلطات، باعتبارها حجر الأساس في منع إعادة إنتاج العنف وبناء مسار مستدام للاستقرار.
ومع تصاعد الضغوط الدولية والداخلية، اتجهت الحكومة النيجيرية إلى إطلاق مرحلة جديدة من العمل على ملف العائدين، تقوم على توسيع نطاق مراكز إعادة التأهيل التي أُنشئت للمرة الأولى قبل أعوام، لكن بفاعلية محدودة في البداية. اليوم، تحاول أبوجا إعادة صياغة وظيفة هذه المراكز عبر نموذج شامل يضم التأهيل النفسي والعلاج من الصدمات، والتعليم الديني القائم على تفكيك خطاب الجماعات المتطرفة، إضافة إلى تدريب مهني يتيح لهؤلاء المقاتلين بدء حياة اقتصادية مستقرة.

إلا أن الطريق ليس مفروشًا بالورود، وكثير من المجتمعات المحلية، خصوصًا في ولاية بورنو، تعبر بصراحة عن مخاوفها من عودة العائدين إلى قراهم. 

فالأسر التي فقدت أبناءها على أيدي الجماعات المسلحة تنظر بعين الريبة إلى أي حديث عن المصالحة أو الاندماج. بعضهم يرى أن برامج التأهيل تمنح امتيازات لمن شاركوا في العنف، بينما تُهمل الضحايا الذين يحتاجون هم أيضًا للدعم النفسي والاجتماعي.

 هذا الصدام المجتمعي يشكل عائقًا كبيرًا أمام نجاح أي خطة لإعادة الدمج، ما دفع السلطات إلى عقد جلسات حوار مجتمعي ومحاولات لخلق بيئة قبول تدريجي للعناصر السابقين.

على الجانب الآخر، يواجه العائدون أنفسهم واقعًا لا يقل تعقيدًا.

 فالكثير منهم خرج من صفوف الجماعات المسلحة وهو يعاني من صدمات شديدة، ومستويات عالية من انعدام الثقة، إضافة إلى خوف دائم من الرفض والطرد. 

بعضهم يجد صعوبة في التكيف مع الحياة المدنية، بعد سنوات قضاها في الغابات وتحت سيطرة قادة الجماعات، الذين كانوا يفرضون نمط حياة صارمًا. 

ورغم نجاح المراكز في معالجة جزء من هذه التحديات، يؤكد خبراء أن إعادة التأهيل الحقيقي يتطلب وقتًا طويلًا وبرامج متابعة مستمرة تمتد لسنوات.

الحكومة تبذل جهودًا لخلق شبكة دعم متكاملة تشمل منح مالية صغيرة لبدء مشروعات، وتوفير فرص تدريب زراعي وصناعي، والتنسيق مع شيوخ القبائل والقيادات المحلية لضمان احتواء العائدين داخل المجتمع. 

 ولكن هذه الخطوات تحتاج إلى تمويل كبير واستقرار أمني يسمح بتنفيذها، وهو ما لا يزال يمثل معضلة في المناطق التي تشهد نشاطًا متقطعًا للجماعات المتطرفة.

ورغم كل التعقيدات، تشير البيانات الرسمية إلى أن نسب الانتكاس بين خريجي برامج التأهيل ما زالت منخفضة، خصوصًا بعد اعتماد نهج يقوم على المتابعة الفردية.

 وتعتبر الحكومة أن نجاح هذه البرامج هو السبيل الوحيد لتخفيف الضغط عن الجيش، وخلق مسار آمن لإغلاق ملف العنف على المدى الطويل.

 في المقابل، يحذر مراقبون من أن الفشل في إدارة هذا الملف قد يعيد الدوامة من جديد، ويمنح الجماعات المسلحة فرصة لاستقطاب العائدين المحبطين.

في نهاية المطاف، يقف مستقبل الأمن في نيجيريا على قدرة الدولة والمجتمع معًا على إيجاد صيغة عملية لإعادة دمج المقاتلين السابقين دون تهديد النسيج الاجتماعي.

 النجاح هنا لن يعني فقط تقليل الهجمات، بل سيشكل تحولًا استراتيجيًا في مواجهة التطرف، ويضع البلاد على بداية طريق طويل لكنه ضروري نحو التعافي والاستقرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق