أبرز القيادات الملهمة التى تستحق المتابعة فى عام 2025.. سيريناد جميل: صوت التواصل الثقافى فى الدبلوماسية العالمية

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تصف مسيرتها المهنية بأنها رحلة شجاعة وإصرار بعد أن كسرت التقاليد باختيارها العمل فى الخارج 
 

السفيرة سيريناد جميل هي سفيرة مصر في أرمينيا، وسفيرة غير مقيمة في جورجيا. وهي ابنة الفنان الموسيقار الراحل سليمان جميل. التحقت بالسلك الدبلوماسي عام ١٩٩١، وعملت بوزارة الخارجية المصرية في قطاع المنظمات الدولية والأمم المتحدة في فترات مختلفة خلال مسيرتها الدبلوماسية.
بدأت عملها في السفارة المصرية في باريس عام ١٩٩٦ حتى ٢٠٠٠، وكانت تختص بالملفات السياسية والثقافية. اهتمت بالدبلوماسية الثقافية في عملها بباريس، وكانت أيضًا عضوًا في الوفد المصري في المؤتمر العام لليونسكو آنذاك.
تابعت عملها في السفارة المصرية في تونس، وكانت أيضًا تمثل مصر في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. ثم تم إيفادها للعمل في السفارة المصرية في فيينا، حيث كانت المندوب المناوب للبعثة المصرية لدى الأمم المتحدة في فيينا، في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ووكالة الطاقة الذرية. كما اختصت بالعلاقات الثقافية مع النمسا والعلاقات الثنائية بين البلدين في المجالين السياسي والاقتصادي.

24eb8441de.jpg


بعد ذلك، كانت مديرة لوحدة الفرانكفونية بوزارة الخارجية، والمنسق الوطني لمصر في المنظمة الدولية للفرانكفونية. ثم تم تعيينها قنصلًا عامًا لمصر في باريس من عام ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨.
بعد عودتها إلى القاهرة، عملت كنائب مساعد وزير الخارجية للشئون الاجتماعية وشئون المرأة والطفل في قطاع حقوق الإنسان بوزارة الخارجية. ثم تم الاستعانة بخبراتها للعمل كمستشارة للعلاقات الخارجية لوزيرة الصحة، وبعدها تقلدت منصب نائب مساعد وزير الخارجية للعلاقات السياسية الدولية من ٢٠١٩ وحتى ٢٠٢٢.
تم تعيينها سفيرة فوق العادة لمصر في أرمينيا، وسفيرة غير مقيمة في جورجيا. من أهم إنجازاتها التحضير للزيارة التاريخية التي قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أرمينيا في يناير ٢٠٢٣، والتي تم خلالها توقيع العديد من مذكرات التفاهم بين البلدين لتوطيد العلاقات في كافة مجالات التعاون. أعقبتها زيارة رئيس وزراء أرمينيا إلى القاهرة في مارس ٢٠٢٤، برفقة وفد كبير من رجال الأعمال.
وفي مايو ٢٠٢٤، تم منحها جائزة المرأة القيادية في المجال الدبلوماسي في أرمينيا لعام ٢٠٢٤؛ ومرشحة أيضًا لأفضل عمل دبلوماسي.
خلال حوارها مع مجلة بيزنيس ورلد يوريكا تحاول ابراز استخدام الفن والثقافة والحوار لتعزيز الروابط بين الأمم وتعزيز التفاهم المتبادل، مع إلهام وتمكين الجيل القادم من القيادات النسائية. 
قد تبدو الموسيقى والدبلوماسية عالمين متباعدين، لكن بالنسبة لسيريناد جميل، لطالما تحدثتا لغة واحدة. وُلدت في عائلة تزاوج فيها الإبداع والفكر، وتعلمت منذ نعومة أظفارها أن الفن قادر على تشكيل العقول، وأن الدبلوماسية قادرة على تشكيل الأمم. كانت حياتها، من نواحٍ عديدة، أشبه بتأليف موسيقي؛ يمزج كل فصل من فصولها بين اللحن والمعنى والهدف.
كان والدها، الملحن المصري الشهير سليمان جميل، شخصية وطنية وعالمية، احتفت أعماله بالهوية الثقافية المصرية. لم يكن ملحنًا فحسب، بل كان أيضًا ناقدًا فنيًا مرموقًا في جريدة الأهرام، وأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في رسم السياسة الثقافية المصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
والدتها، عزيزة جميل، مصممة أزياء ورسامة موهوبة، ابتكرت قطعًا أنيقة للملوك والأرستقراطيين المصريين، مازجةً بين التعبير الحديث والتراث الثقافي. معًا، شيّدتا منزلًا لم يكن فيه الفن موضوعًا، بل أسلوب حياة. بالنسبة لسيريناد، لم يعد إرثهما مجرد تراث؛ بل أصبح بوصلة تُرشد رحلتها الخاصة، مستوحاةً من تأليف سليمان جميل لبيانو "الموال المصري".
دروسٌ مبكرة في الرؤية واللغة
تتذكر سيريناد سنواتها الأولى وهي تُرافق والدها إلى بروكسل، حيث كان يعمل دبلوماسيًا. لقد تركت مشاهدته وهو يُوازن بين شغفه الفني وهدفه الدبلوماسي انطباعًا لا يُنسى. تقول: "في السادسة عشرة من عمري، أدركتُ أهمية العمل الدبلوماسي، فهو يبني جسورًا بين الحضارات ويفتح حوارًا بين الثقافات". لقد صقلَت تلك السنوات التكوينية، المُحاطة باللغات والموسيقى والاطلاع الدولي، رؤيتها للحياة.
لعب التعليم دورًا محوريًا في رحلتها. أثناء دراستها في بروكسل، تعلمت الفرنسية والألمانية إلى جانب إتقانها للغتين الإنجليزية والعربية. كانت الموسيقى شغفًا مستمرًا، يكاد يكون غريزيًا. درست البيانو والنظريات في كلية ترينيتي بلندن، مما زاد من تقديرها لقدرة الصوت على تجاوز الحدود.

867df989ee.jpg

إلهام من إرث العائلة

ظلت عائلتها تؤثر على توجهها. عُرفت عمتها، عضو البرلمان المصري ومغنية مشهورة، بعملها في تعزيز حقوق العمال والرعاية الاجتماعية. من خلالها، رأت سيريناد كيف يمكن للخدمة العامة والتعاطف أن يتعايشا. كان درسًا مؤثرًا، درسًا سيحدد لاحقًا نهجها كدبلوماسية وقائدة.
كما قدمت حياة والدها نموذجًا يُحتذى به. عندما كان دبلوماسيًا في بروكسل، ألّف مقطوعة موسيقية للبيانو بعنوان "تحية مصرية للشعب البلجيكي"، أهداها إلى ملك بلجيكا عام ١٩٨٢. رمزت هذه المقطوعة للصداقة بين الأمم، ومنحته وسام فارس. تتذكر سيريناد تلك اللحظة كدليل على أن الدبلوماسية، حين تسترشد بالفن والإخلاص، قادرة على ملامسة القلوب وتتجاوز السياسة.

رحلة دبلوماسية متجذرة في الثقافة

بعد سنوات، حملت تلك الروح نفسها في مهمتها الدبلوماسية. فعندما عُيّنت سفيرةً لمصر لدى أرمينيا، أهدت إحدى مؤلفات والدها، "الموال المصري"، إلى رئيس أرمينيا، فاهاجن خاتشاتوريان، وهو موسيقي بارع. وقد جسدت هذه اللفتة إيمانها بأن الدبلوماسية، في أفضل حالاتها، هي حوار بين الأرواح بقدر ما هي تفاوض على السياسات.
طوال مسيرتها المهنية، ركزت سيريناد على الدبلوماسية الثقافية؛ إيمانًا منها بأن الثقافة من أقوى أدوات التفاهم بين الأمم. وخلال فترة عملها في باريس من عام ١٩٩٦ إلى عام ٢٠٠٠، شغلت منصب السكرتير الثاني في السفارة المصرية، حيث أدارت الشئون السياسية والثقافية. وشاركت بشكل وثيق في مشاريع اليونسكو، ولعبت دورًا رئيسيًا في تنظيم العام الثقافي المصري الفرنسي، الذي احتفى بالعلاقة الوثيقة بين البلدين. من أبرز تجاربها التي لا تُنسى مشاركتها في تنسيق حفل الألفية لجان ميشيل جار في الأهرامات في ديسمبر ١٩٩٩، إيذانًا ببداية القرن الحادي والعشرين بالفن والوحدة.
لاحقًا، أضافت مهمتها في تونس عمقًا آخر لفهمها للتعاون الإقليمي والدبلوماسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تقول: "كل مهمة علمتني شيئًا جديدًا عن الناس والتواصل والإبداع. الدبلوماسية لا تقتصر على التفاوض فحسب، بل تشمل أيضًا الاستماع والملاحظة وإيجاد الانسجام في التنوع".
بعد مهمتها في تونس، تولت سيريناد العديد من المناصب الدبلوماسية الرفيعة، مما عكس خبرتها وحضورها الرائد كدبلوماسية. في فيينا، شغلت منصب الممثل الدائم البديل لمصر لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبفضل إتقانها فن الدبلوماسية متعددة الأطراف، انتُخبت بالتزكية نائبةً لرئيس المؤتمر العام لليونيدو لشئون أفريقيا عام ٢٠٠٩.
عملت لاحقًا في وزارة الخارجية بالقاهرة كمراسلة وطنية لدى المنظمة الدولية للفرانكوفونية، قبل أن تُعيّن قنصلًا عامًا لمصر في باريس. وبفضل جهودها الدؤوبة، ساهمت مساهمة كبيرة في دعم الحكومة المصرية من خلال شراء مبنى القنصلية العامة لمصر في باريس، حيث لعبت الدبلوماسية الثقافية دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات بين مصر وفرنسا.
واستمرت رحلتها حيث تولت منصب نائب مساعد وزير الخارجية للعلاقات السياسية الدولية في إدارة الشئون المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية في القاهرة، قبل أن يتم تعيينها سفيرة لمصر لدى أرمينيا وسفيرة غير مقيمة لدى جورجيا، وهو المنصب الذي شغلته حتى سبتمبر ٢٠٢٥.

إرثٌ دبلوماسيٌّ عالميّ

بخبرةٍ تمتدّ لـ ٣٤ عامًا في المجال الدبلوماسي، شغلت السفيرة سيريناد جميل مناصبَ قياديةً في العديد من الدول، مُمثّلةً مصرَ في مختلف القارات ببراعةٍ وحزم. منذ عام ٢٠٢٢، شغلت منصب السفيرة فوق العادة والمفوضة لجمهورية مصر العربية في أرمينيا وجورجيا، وهو دورٌ يُجسّد مهمتها التي امتدّت طوال حياتها في تعزيز الحوار والاحترام المتبادل بين الشعوب.
في ظلّ قيادتها، شهدت السنوات الماضية مراحلَ جديدةً في العلاقات الأرمينية المصرية. في عام ٢٠٢٣، مثّلت الزيارة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أرمينيا، وهي الأولى من نوعها على الإطلاق، رمزًا لتعزيز العلاقات وتعميق التعاون، وهي لحظةٌ تُكلّلت بالنجاح بفضل جهودها. على مدى عامين، ازدهرت العلاقات الثنائية في قطاعاتٍ مُتعددة، بما في ذلك التعليم والثقافة والسياحة. أصبحت مصر وجهةً مُفضّلةً للمسافرين الأرمن، في حين بدأ العديد من الشباب الأرمني متابعة دراستهم في مصر، مما أثرى التبادل الثقافي بين البلدين.
يكمن جوهر هذه الإنجازات في حبها لتراث مصر وتفانيها في فن الدبلوماسية. تتجاوز رؤيتها مجرد السياسة؛ بل تتمحور حول تعزيز التفاهم والصداقة بين الشعوب. واعترافًا بمساهماتها في بناء هذه الجسور واستدامتها، مُنحت السفيرة سيريناد جميل في أرمينيا لقب "امرأة من ذهب ٢٠٢٤" ضمن فئة القيادة النسائية في الدبلوماسية، وذلك لإرساء علاقات متينة.

كسر التقاليد وتحديد معالم النجاح

تصف سيريناد مسيرتها المهنية بأنها رحلة شجاعة وإصرار. كدبلوماسية شابة، كسرت التقاليد باختيارها العمل في الخارج، وهو قرار لم يكن شائعًا بين النساء في ذلك الوقت. أرادت أن تثبت أن النساء قادرات على تمثيل بلدانهن بنفس القوة والذكاء والرشاقة التي تتمتع بها أي من زميلاتهن. تقول: "لطالما عرّفت النجاح بأنه إنجاز عملي من خلال الفن. كان الانضباط هو الأساس. الفن يمنح الدبلوماسية روحها، والانضباط هو الذي يوجهها".
تشكّلت فلسفتها من الإيمان والحكمة. قال لها أحد شيوخ الصوفية ذات مرة: "في كل مكسب خسارة، وفي كل خسارة مكسب". ظلت هذه الكلمات عالقة في ذهنها. فهي تؤمن بأن التحديات والفرص وجهان لعملة واحدة، وأن التقدم ينبع من احتضان كليهما بانفتاح وسكينة.

المرأة القيادة والتناغم

كما أدركت أن التوقعات المجتمعية قد تُثقل كاهلها، وخاصةً على النساء اللواتي يخترن القيادة. نصيحتها للشابات بسيطة لكنها مؤثرة: "لا تُقارني أنفسكِ بالآخرين. اتبعي صوتكِ الداخلي واستخدمي كفاءتكِ لرسم مساركِ. بمجرد أن تفعلي ذلك، ستجدين الانسجام بين ما أنتِ عليه وما تصبين إليه."
تُقدّر سيريناد بشدة دور المرأة المصرية في بناء مجتمع قوي ومتوازن. وتؤمن بأن المرأة عندما تُساهم في التقدم الوطني، تُصبح ركيزة للاستقرار والتنمية. كما تُقدّر قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دعم تمكين المرأة ووسّع نطاق مشاركتها في المجالين السياسي والاقتصادي في مصر. تقول بثقة وهدوء: "ما نحتاجه هو التركيز والتنظيم والانضباط لتحقيق أهدافنا".
على الرغم من مواجهتها للصور النمطية عن النساء في مناصب النفوذ، اختارت دائمًا التعامل بهدوء ورزانة. تقول مبتسمة: "أسمعها كما لو كانت مزحة. بدلًا من رد الفعل، أركز على العمل. أقود بتعاطف، وأمنح فريقي الثقة، وأذكرهم بأن كل فرد جزء لا يتجزأ من الصورة الأكبر. النجاح ليس فرديًا أبدًا؛ بل هو دائمًا مشترك".

الإرشاد ورؤية للمستقبل

أصبح الإرشاد أحد أهم مساهماتها. تُدرّس في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في مصر، وكذلك في مدارس القيادة والدبلوماسية في أرمينيا. جلساتها مع الشابات، وخاصةً اللواتي يسعين إلى العمل الدبلوماسي، مليئة بالحكمة العملية والقصص الشخصية. تقول: "من المهم تبادل الخبرات والحفاظ على الحوار حيًا. عندما ننقل المعرفة، نبني استمرارية للجيل القادم".
بالنظر إلى المستقبل، تشعر سيريناد بالثقة في أن قيادة المرأة في مصر ستستمر في الصعود. وترى أن عام ٢٠٣٠ سيكون عامًا يتسع فيه نفوذ المرأة في جميع القطاعات، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتقول: "أرى النساء يقدن بحكمة وإبداع وشجاعة. وأعتقد أن من واجبنا مواصلة العمل من أجل مجتمع أكثر ازدهارًا وتناغمًا".
تُعلّمنا قصتها أن الدبلوماسية، عندما تُغمر بالفن والتعاطف، تصبح أكثر من مجرد مهنة، بل رسالة. لقد برهنت سيريناد جميل على أن القوة قد تكون رشيقة، وأن القيادة قد تكون غنائية. ولا تزال حياتها تُردد دروس والديها: أن الإبداع والضمير والثقافة معًا يُمكن أن تبني جسورًا أقوى من أي معاهدة.
 

573.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق