تحل اليوم ذكرى حل جماعة الإخوان في 29 أكتوبر عام 1954، وهي الذكرى التي تمثل لحظة فاصلة في تاريخ مصر الحديث، يوم قررت الدولة أن تضع حدًا لتنظيم استخدم الدين ستارًا للسياسة، وحول الدعوة إلى وسيلة للسيطرة، والخطاب الديني إلى أداة للعنف والتخريب.
منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا عام 1928 في مدينة الإسماعيلية، رفعت شعارات براقة عن الإصلاح والدين والمجتمع، لكنها سرعان ما انحرفت عن طريقها الدعوي، واتخذت من السرية والعمل التنظيمي وسيلة لبناء كيان موازٍ للدولة.
ومع مرور الوقت، أنشأت خلايا مسلحة تحت مسمى "النظام الخاص" لتنفيذ عمليات اغتيال وتفجير، بدأت باغتيال القاضي أحمد الخازندار عام 1948، ثم رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي أصدر قرارًا بحل الجماعة في العام نفسه، في سلسلة من الأحداث التي كشفت الوجه الحقيقي للتنظيم.
وبعد ثورة يوليو 1952، حاولت الجماعة التغلغل داخل مؤسسات الدولة الجديدة، لكنها اصطدمت بمشروعها الوطني، لتبدأ مؤامراتها ضد مجلس قيادة الثورة.
وجاءت حادثة المنشية في أكتوبر 1954، حين أطلق أحد عناصرها النار على الرئيس جمال عبد الناصر أثناء إلقائه خطابًا جماهيريًا بالإسكندرية، لتسقط الأقنعة تمامًا عن وجه الجماعة.
وبعد الحادث بساعات صدر القرار التاريخي بحلها واعتقال قياداتها، بعدما تأكدت الدولة أن التنظيم لم يعد جماعة دعوية بل تنظيمًا إرهابيًا يعمل في الظل ويهدد كيان الوطن.
لم يكن الإرهاب سلوكًا عابرًا في مسيرة الإخوان، بل تحول إلى فكر راسخ وموروث داخل التنظيم.
فمن رحم الجماعة خرجت لاحقًا تنظيمات أشد تطرفًا مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة وداعش، وكلها اعتمدت على فكر سيد قطب الذي دعا إلى تكفير المجتمع واستخدام السلاح لفرض "حاكمية الله"، وهو الفكر الذي تشربته أجيال من المنتمين للإخوان على مدار عقود.
ورغم محاولاتها المتكررة لتغيير خطابها والتظاهر بالاعتدال، فإن تاريخ الجماعة ظل شاهدًا على تورطها في أعمال إرهابية داخل مصر وخارجها، سواء في التحريض على العنف أو دعم التنظيمات المسلحة في سوريا وليبيا وغيرها.
وقد أثبتت التجارب أن الجماعة لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، بل تستخدم صناديق الانتخابات للوصول إلى الحكم، ثم تسعى للانفراد به باسم الدين.
اليوم، ومع مرور أكثر من سبعين عامًا على قرار الحل، تبقى ذكرى 29 أكتوبر شاهدًا على أن الدولة المصرية كانت صاحبة رؤية بعيدة حين قررت مواجهة الإرهاب بالفكر والقانون، قبل أن يتحول إلى وباء يهدد المنطقة بأكملها.
فقد أسقط القرار قناع الدعوة وكشف حقيقة التنظيم الذي عاش عقودًا يتستر خلف الشعارات الدينية بينما يمارس أبشع أشكال العنف باسم الإسلام.
إنها ذكرى لا تُستعاد كحدث تاريخي فقط، بل كتجربة تؤكد أن الإرهاب لا يُواجه بالتسامح الزائف ولا بالشعارات، بل بالحسم والوعي.
فحل جماعة الإخوان لم يكن نهاية تنظيم فحسب، بل بداية وعيٍ وطني أدرك مبكرًا أن حماية الدولة لا تتحقق إلا بتجفيف منابع التطرف، وكشف من يتخذون من الدين ستارًا لهدم الأوطان.










0 تعليق