قال الخبير المصرفي الدكتور محمد الشوربجي، إن الأنظار تتجه باهتمام كبير إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يستعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لعقد اجتماعه المرتقب خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، 28 و29 أكتوبر الجاري، في ظل حالة ترقب عالمية لما سيسفر عنه الاجتماع من قرارات تخص أسعار الفائدة التي تمثل البوصلة الأساسية لحركة الأسواق المالية حول العالم.
وأوضح الشوربجي أن التوقعات السائدة تشير إلى استمرار الفيدرالي الأمريكي في سياسة التيسير النقدي عبر خفض تدريجي لأسعار الفائدة، متوقعًا أن يتم الخفض الجديد في نطاق 25 إلى 50 نقطة أساس (أي أقل من 1%)، وذلك كجزء من محاولة البنك المركزي دعم سوق العمل الأمريكي في مواجهة مؤشرات التباطؤ الاقتصادي.
وأشار إلى أن هذا الاتجاه الحذر من الفيدرالي يأتي استنادًا إلى أن معدلات التضخم الحالية تُعد مؤقتة، ولا تمثل خطرًا هيكليًا على الاقتصاد، موضحًا أن ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة يرتبط بعدة عوامل غير مستدامة، من بينها التوترات التجارية بين واشنطن وبكين التي اشتعلت بسبب القرارات الجمركية الصارمة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إضافة إلى تداعيات الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية، ما ساهم في زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق، وأدى إلى تباطؤ جزئي في مؤشرات النمو.
خفض أسعار الفائدة الأمريكية والدولار
وأضاف الخبير المصرفي أن خفض أسعار الفائدة الأمريكية سيكون له أثر مباشر على الدولار في الأسواق العالمية، إذ يؤدي هذا القرار عادة إلى تراجع العائد على السندات الأمريكية، مما يدفع المستثمرين إلى سحب جزء من أموالهم من الأصول الدولارية وتوجيهها نحو أسواق أخرى ذات عائد أعلى، سواء في آسيا أو أوروبا أو الاقتصادات الناشئة. وأكد أن هذا التحول يخلق ديناميكية جديدة في حركة رؤوس الأموال العالمية ويؤثر بالتبعية في أسعار السلع والذهب والنفط.
وتابع الشوربجي قائلاً إن قرارات البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة عادة ما تكون ذات تأثير مزدوج على الاقتصاد، إذ تساعد على تحفيز النشاط الصناعي والإنتاجي عبر تقليل تكلفة الاقتراض، كما تخفف أعباء الدين العام على الموازنات الحكومية، وهو ما يدعم النمو ويعزز الاستثمارات في القطاعات المنتجة. وفي المقابل، فإن الانخفاض في أسعار الفائدة يدفع جزءًا من السيولة إلى التحول نحو الذهب كملاذ آمن، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المعدن النفيس نتيجة زيادة الطلب عليه من المستثمرين الباحثين عن حماية لأصولهم في فترات التيسير النقدي.
هل يتخذ الفيدرالي قراره بحرية كاملة؟
وأكد الشوربجي أن كافة المؤشرات الاقتصادية الحالية تُرجّح بالفعل اتجاه الفيدرالي نحو خفض الفائدة في الاجتماع المقبل، إلا أن هناك تساؤلًا محوريًا يفرض نفسه في الأوساط الاقتصادية، وهو: هل يتخذ الفيدرالي قراره بحرية كاملة؟
وأوضح أن توقف نشر العديد من البيانات الاقتصادية الرسمية في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الخلاف السياسي المتصاعد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قضايا التأمين الصحي والإنفاق العام، يجعل الصورة أمام صناع القرار في الفيدرالي غير مكتملة تمامًا، وهو ما قد يُربك تقييمهم للوضع الحقيقي للاقتصاد الأمريكي.
وأشار الخبير المصرفي إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مارس ضغوطًا سياسية علنية على الفيدرالي خلال الأسابيع الماضية، مطالبًا بخفض أكبر للفائدة لتحفيز الاقتصاد والصادرات الأمريكية، ما يثير جدلاً واسعًا حول مدى قدرة البنك المركزي على الحفاظ على استقلال قراره النقدي بعيدًا عن التأثير السياسي.
واختتم الدكتور محمد الشوربجي تصريحاته مؤكدًا أن اجتماع الفيدرالي المقبل سيكون من أهم الاجتماعات في العام الجاري، لأنه سيكشف عن توجه السياسة النقدية الأمريكية في المرحلة القادمة، سواء من حيث سرعة خفض الفائدة أو حدود التيسير النقدي المسموح بها دون تعريض الاقتصاد الأمريكي لموجة تضخم جديدة، مشيرًا إلى أن الأسواق العالمية ستترقب القرار لحظة بلحظة نظرًا لتأثيره المباشر على العملات والذهب والاستثمار العالمي.














0 تعليق