استعاد المسرح الروماني بالإسماعيلية أضواءه بعد أن اكتملت أعمال الترميم، ليعود من جديد منارة للثقافة والفنون ووجهة للتلاقي الإنساني، حيث احتضن حفل افتتاح الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، في مشهد احتفالي يعبّر عن عودة الحياة إلى المدينة وازدهارها بروح الفنون والتراث.
شهد الافتتاح حضور اللواء أكرم جلال محافظ الإسماعيلية، واللواء خالد اللبان مساعد وزير الثقافة لشؤون الهيئة العامة لقصور الثقافة، إلى جانب قيادات وزارة الثقافة والهيئة، والفنان أحمد الشافعي رئيس الإدارة المركزية للبرامج الثقافية والفنية والفنان ماهر كمال مدير المهرجان، وعدد من المسؤولين والشخصيات العامة والإعلاميين.
التنوع والتسامح
في كلمته، رحب اللواء أكرم جلال بالضيوف والفرق المشاركة من مختلف الدول، مؤكدًا أن الإسماعيلية كانت وما زالت أرض الفن والتنوع والتسامح، وأن المسرح الروماني بعد ترميمه يستعيد دوره التاريخي كفضاء يليق بروح المدينة التي طالما احتضنت الإبداع.
ورأى المحافظ أن الفنون الشعبية ليست مجرد عروض ترفيهية، بل هي وثيقة هوية تحفظ ذاكرة الناس وحكاياتهم، وتشهد على قدرة الإنسان المصري على تحويل معاناته إلى جمال، وتراثه إلى طاقة أمل.
كما أشار إلى أن المهرجان يمثل جزءًا من حركة التنمية الشاملة التي تشهدها مصر، حيث تأتي الثقافة هنا شريكًا في البناء ومعبّرًا عن وجدان المجتمع، مشيدًا بدور الهيئة العامة لقصور الثقافة في الوصول بخدماتها إلى كل القرى والمدن، لترسيخ قيم الوعي والانتماء.
الثقافة أداة التقارب الإنساني
أما اللواء خالد اللبان، مساعد وزير الثقافة لشؤون الهيئة العامة لقصور الثقافة، فأكد أن المهرجان أصبح من العلامات المضيئة على الخريطة الثقافية المصرية والعربية، وأنه يجسد فلسفة الوزارة في جعل الثقافة أداة للتقارب الإنساني وبناء الجسور بين الشعوب.
وأضاف أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تسعى من خلال برامجها المختلفة إلى جعل الفنون جزءًا من الحياة اليومية للمواطن، وأن مهرجان الإسماعيلية يعد نموذجًا لهذا التوجه، إذ يجمع الفن الشعبي بمختلف أشكاله في فضاء واحد يحتفي بالتنوع ويكرّس لقيم السلام والمحبة.
الثقافة خط الدفاع الأول
وأشار اللبان إلى أن دعم الدولة لهذه التظاهرات يعكس إيمانها بأن الثقافة هي خط الدفاع الأول عن الهوية، وأن الاستثمار في الفنون لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية، لأن كليهما يصنع مستقبلًا متوازنًا يجمع بين التقدم المادي والإنساني.
ومن جانبه، عبّر الفنان ماهر كمال، مدير المهرجان، عن سعادته بانطلاق الدورة الخامسة والعشرين من قلب الإسماعيلية، معتبرًا أن المهرجان ليس مجرد حدث سنوي، بل مشروع وطني طويل المدى يحتفي بالإنسان المصري وبقدرته على الإبداع والتجدد.
وأوضح أن الفنون الشعبية تعكس روح الشعوب وتكشف عن مكنوناتها، وأن استمرار المهرجان على مدى خمسةٍ وعشرين عامًا يثبت أن التراث لا يموت، بل يتجدد مع الأجيال عبر صيغ فنية معاصرة تحافظ على الأصل وتفتح نوافذ جديدة للتعبير.
وأكد كمال أن الدورة الحالية تأتي في لحظة خاصة، بعد أن عاد المسرح الروماني للحياة، ليكون احتضان الإسماعيلية لهذا الحدث بمثابة رسالة للعالم بأن الثقافة المصرية لا تعرف الغياب، وأنها قادرة على التجدد والنهضة مهما تغيّرت الأزمنة.
انطلقت بعد ذلك العروض الافتتاحية وسط تصفيق الجمهور وإيقاعات الدفوف التي ملأت فضاء المسرح، حيث تتابعت اللوحات الفنية التي قدمتها الفرق المصرية والعربية والأجنبية وجسدت ملامح من تراثها الشعبي وإيقاعاتها المميزة.
وقدّم فنانو التحطيب بالعصا لوحة فنية مبهرة عكست روح الفروسية المصرية القديمة، فيما استعادت التنورة التراثية أجواءها الروحانية التي أسرَت الجمهور بحركاتها الدائرية وأنغامها الصوفية الأصيلة، فبدت كأنها رقصة للروح تحتفي بالحياة والنور، ولفتت فرقة فلسطين الأنظار نحوها على رقصة على عهدى وعلى ديني في تفاعل شديد من قبل جمهور الاسماعيلي ، واختتمت فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية مع عرض ختامي على أنغام أغنية الافتتاح شارك فيه جميع الفرق المشاركة باكثر من 200 راقص وراقصة من مختلف دول العالم في رقصة استثنائية جمعت كل الأطياف في أداء حركة واحد رغم اختلاف اللغة ، وعلى اضواء الألعاب النارية انيرت سماء المسرح الروماني بكل الالوان لتعانق السماء خشبة المسرح .
وامتزجت الأزياء الشعبية الزاهية بألوان الإضاءة التي انعكست على المدرجات التاريخية، لتصنع مشهدًا بصريًا نابضًا بالحياة، عكس فرحة الجمهور بعودة المهرجان في صورته المتجددة، بينما صدحت الموسيقى الشعبية على دفوف التراث وأنغام المزمار، لتعلن ميلاد دورة جديدة تنبض بالفرح.
وفي إطار البرنامج العام للمهرجان، تُقدَّم العروض الفنية خلال الفترة من 26 حتى 29 أكتوبر على عدد من المسارح في مدينة الإسماعيلية، من بينها حديقة الشيخ زايد، حديقة الخالدين، نادي الأسرة، شاطئ الفيروز، نادي الدنفاه، إلى جانب عدد من مسارح مدن فايد، القنطرة غرب، القصاصين، والجيش الثاني.
وتُنفَّذ فعاليات المهرجان تحت إشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، من خلال الإدارة العامة للمهرجانات والإدارة العامة للفنون الشعبية، وبالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي وفرع ثقافة الإسماعيلية، فيما يُقام معرض للحرف البيئية وندوات علمية متخصصة في مجال الفنون الشعبية ومراحل تطورها بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان.
وتُختتم الفعاليات على المسرح الروماني يوم 30 أكتوبر بحفل فني كبير وتكريم للفرق المشاركة.
لمسة وفاء
تضمن حفل الافتتاح عرض فيلم تسجيلي استعرض تاريخ المهرجان ومحطاته منذ انطلاقه، أعقبه بث رسالة عرفان من الدكتور عبد المنعم عمارة محافظ الإسماعيلية الأسبق، الذي وجّه التحية لكل من أسهم في تأسيس هذا الحدث الثقافي الكبير، مؤكدًا اعتزازه بأن تكون الإسماعيلية دائمًا منارة للفنون وملتقىً للمحبة والتنوع.
واختُتمت فعاليات الافتتاح وسط تصفيق الجماهير وبهجة الحضور، في مشهدٍ أعاد إلى المدينة روحها الاحتفالية الخالصة، لتثبت الإسماعيلية من جديد أنها مدينة قادرة على جمع قلوب العالم حول فنونها، وعلى أنغام الدفوف التي لا تعرف حدودًا.




































0 تعليق