تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص اعتمادها الاستراتيجي على الصين في مجال المعادن الأرضية النادرة، بعدما أصبحت بكين تتحكم في المورد الأساسي لهذه العناصر التي تُعد عصب الصناعات التكنولوجية والعسكرية المتقدمة. وتعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ خطة واسعة تهدف إلى إيجاد بدائل لإمدادات هذه المعادن، مستخدمة أدوات اقتصادية واستثمارية غير تقليدية، وسط تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
محركات الطائرات والصواريخ والدبابات
وتُعد المعادن النادرة عنصرًا أساسيًا في صناعات محركات الطائرات والصواريخ الموجهة والدبابات وأنظمة الاتصالات العسكرية، بالإضافة إلى استخدامها في السيارات الكهربائية وتوربينات الطاقة ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. وتحكم الصين قبضتها على هذا السوق الحيوي باستخراج نحو 70% من الإنتاج العالمي وإجراء عمليات المعالجة الكيميائية لـ90% من هذه المعادن. وردًا على القيود الجمركية الأمريكية الأخيرة، فرضت بكين نظام تراخيص جديدًا يمنحها سيطرة مباشرة على صادرات هذه المعادن حتى خارج حدودها، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.
وفي محاولة لمواجهة النفوذ الصيني، أعلنت إدارة ترامب عن سلسلة من الخطوات تشمل إنشاء احتياطي استراتيجي من المعادن النادرة داخل الولايات المتحدة والاستحواذ على حصص ملكية في شركات التعدين الحيوية، إضافة إلى تقديم دعم مالي مباشر لبعض المشروعات عبر وزارتي الدفاع والخزانة.
كما أبرمت واشنطن اتفاقًا مع الحكومة الأسترالية لاستثمار مليارات الدولارات في تطوير مشروعات تعدين جديدة، ومن المنتظر أن يكون هذا الملف حاضرًا بقوة خلال اجتماع مجموعة السبع في كندا نهاية الشهر الجاري. ويهدد ترامب بفرض رسوم إضافية تصل إلى 100% على الواردات الصينية إذا لم تتراجع بكين عن قيود التصدير الجديدة المقرر تنفيذها خلال شهري نوفمبر وديسمبر.
استثمارات ضخمة
ورغم التحركات الأمريكية، تشير التقديرات إلى أن بناء سلسلة إمداد بديلة سيستغرق سنوات، خاصة أن إنشاء مناجم جديدة ومصانع تكرير يتطلب استثمارات ضخمة وموافقات تنظيمية معقدة، فضلًا عن عوائق بيئية. وأكدت أبيجيل هانتر، المديرة التنفيذية لمركز المعادن الأمريكي، أن واشنطن أصبحت تدرك خطورة "الاعتماد الأحادي" على الصين، لكنها أشارت إلى أن "تغيير الواقع الحالي لن يتم سريعًا"، مؤكدة أن أي خلل في سلاسل التوريد قد يهدد الصناعات الدفاعية الأمريكية.
وأكدت تقارير أمريكية أن الحكومة استحوذت على حصة 15% في شركة "إم بي ماتيريالز" المالكة لأكبر مناجم المعادن النادرة في الولايات المتحدة، إلى جانب الاستثمار في شركات أخرى مثل "تريولوجي ميتالز" و"ليثيوم أميريكاس". كما تدرس الإدارة الدخول في مجالات جديدة مثل التعدين في أعماق البحار ومشروعات المعادن في إفريقيا التي لا تخضع للنفوذ الصيني. غير أن هذه الخطوات أثارت مخاوف بشأن المخاطر المالية، خاصة مع استخدام أموال دافعي الضرائب للاستثمار في شركات تكنولوجية ناشئة قد لا تحقق نجاحًا مضمونًا.
مواجهة اقتصادية طويلة الأمد
على الجانب الآخر، يواصل المسؤولون الصينيون الدفاع عن سياساتهم، مؤكدين أن نظام تراخيص المعادن يتماشى مع "القانون الدولي ومتطلبات الأمن الوطني". فيما حذر محللون دوليون من أن الأزمة الحالية قد تتطور إلى مواجهة اقتصادية طويلة الأمد بين الصين والغرب. وقال إيفان ميديروس، الباحث بجامعة جورج تاون، إن "بكين تعتمد على استراتيجية صبر طويلة المدى، بينما لم يتضح بعد إذا كانت واشنطن تمتلك تحالفًا دوليًا قادرًا على مواجهة النفوذ الصيني".
وتبدو الولايات المتحدة أمام تحدٍ استراتيجي معقد، فهي تحتاج لتأمين موارد المعادن الحيوية دون خسارة سباق التكنولوجيا المتقدمة أمام الصين. وبينما تؤكد إدارة ترامب أن "عصر الاعتماد على الخارج قد انتهى"، فإن الخبراء يرون أن تحقيق الاستقلال الصناعي الكامل سيستغرق وقتًا طويلًا ويتطلب تعاونًا دوليًا واسعًا واستثمارات ضخمة تتجاوز القدرات الفردية لأي دولة.
0 تعليق