الحصبة هي عدوى فيروسية شديدة العدوى يسببها فيروس ينتمي إلى فصيلة الباراميكروفيروسات، تنتقل بسهولة عبر الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس من شخص مصاب، ويمكن أن تبقى القطرات المسببة للعدوى في الهواء أو على الأسطح لفترة قصيرة، وغالبًا ما يُصاب بها الأشخاص غير المطعّمين، خصوصًا الأطفال.
الانتشار
قبل انتشار برامج التطعيم، كانت الحصبة تُعد من أكثر الأمراض شيوعًا بين الأطفال، وتسبب أوبئة متكررة كل عامين أو ثلاثة، ومع تطبيق التطعيم الروتيني انخفضت الحالات بشكل كبير، لكنها لا تزال تظهر في مناطق يقل فيها الإقبال على اللقاحات. عالميًا، تُسجل نحو عشرة ملايين إصابة سنويًا وأكثر من مئة ألف وفاة، معظمها بين الأطفال.
في الولايات المتحدة مثلًا، كان متوسط الحالات أقل من مئة سنويًا بعد عام 2000، لكنها ارتفعت مجددًا في بعض السنوات بسبب السفر من مناطق موبوءة وتراجع معدلات التطعيم.
ويُلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في الإصابات بسبب التردد في تلقي اللقاح، إذ انخفضت نسبة تطعيم الأطفال في سن الروضة من نحو 95% عام 2020 إلى أقل من 93% في عام 2024.
طرق العدوى
تنتقل الحصبة عبر استنشاق الرذاذ الحامل للفيروس من شخص مصاب، أو نادرًا عن طريق ملامسة الأسطح الملوثة، ويصبح المصاب ناقلًا للعدوى قبل ظهور الطفح الجلدي بأربعة أيام ويظل كذلك حتى أربعة أيام بعد ظهوره.
كما أن الحوامل اللواتي أصبن بالمرض ينقلن مناعة مؤقتة لأطفالهن تمتد حتى العام الأول تقريبًا، وبعد ذلك، يصبح الطفل عرضة للإصابة ما لم يُطعَّم.
الإصابة بالحصبة تمنح مناعة دائمة، لذلك لا تتكرر العدوى عادةً، كما يُفترض أن البالغين المولودين قبل عام 1957 يتمتعون بمناعة طبيعية نتيجة تعرضهم للفيروس في طفولتهم.
الأعراض
تبدأ الأعراض بعد فترة حضانة تتراوح بين 7 و21 يومًا. وتشمل الحمى، وسيلان الأنف، والسعال الجاف، واحمرار العينين، وظهور بقع صغيرة بيضاء داخل الفم تُعرف ببقع كوبليك، تسبق الطفح الجلدي بعدة أيام.
يبدأ الطفح عادة على الوجه والرقبة ثم ينتشر إلى باقي الجسم خلال يومين أو ثلاثة، ويستمر من 4 إلى 7 أيام قبل أن يبدأ في التلاشي تدريجيًا. خلال ذروة المرض، قد تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية، ويشعر المريض بتعب شديد وحساسية للضوء. بعد انحسار الطفح، يبدأ الجلد بالتقشر ويتحسن المريض تدريجيًا.
المضاعفات
رغم أن أغلب المرضى يتعافون تمامًا، فإن بعض الحالات قد تشهد مضاعفات خطيرة، خصوصًا لدى الأطفال الصغار، والحوامل، والمصابين بسوء تغذية أو ضعف مناعة.
تشمل المضاعفات الشائعة: الالتهاب الرئوي، التهاب الأذن الوسطى، الإسهال، والتهاب الكبد المؤقت. أما أخطر المضاعفات فهي التهاب الدماغ الذي قد يؤدي إلى تلف دائم أو الوفاة في حالات نادرة (طفل واحد تقريبًا من كل ألف).
كما قد يظهر بعد سنوات من الإصابة مرض نادر يُعرف بالتهاب الدماغ الشامل المصلب تحت الحاد، وهو مميت عادةً. وقد يؤدي نقص الصفائح الدموية بعد التعافي إلى نزف جلدي أو داخلي في بعض الأحيان.
التشخيص
يعتمد الأطباء عادة على المظاهر السريرية المميزة للحصبة، مثل الطفح والبقع الفموية والأعراض التنفسية، ويُؤكد التشخيص بالفحوص المخبرية التي تكشف وجود الأجسام المضادة أو المادة الوراثية للفيروس في عينات الدم أو الأنف أو الحلق، خصوصًا لدى من لم يتلقوا اللقاح أو لديهم عوامل خطر للتعرض.
العلاج
لا يوجد علاج نوعي يقضي على الفيروس، ويقتصر التدخل الطبي على تخفيف الأعراض ومنع المضاعفات.
يُنصح بعزل المصابين لتجنب نقل العدوى، واستخدام خافضات الحرارة مثل الأسيتامينوفين أو الإيبوبروفين. كما يُعطى فيتامين A للأطفال المصابين لتقليل احتمالات الوفاة والمضاعفات، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها نقص الفيتامين.
في حال حدوث عدوى بكتيرية ثانوية، تُستخدم المضادات الحيوية المناسبة.
الوقاية
يبقى اللقاح الوسيلة الأهم للوقاية من الحصبة. ويُعطى ضمن اللقاح الثلاثي المشترك ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR). توفر جرعتان منه مناعة تصل إلى 96%، وتُعد فعالة مدى الحياة في معظم الحالات.
يُعطى اللقاح عادة في سن الطفولة، لكن يُنصح بعض البالغين الذين لم يتلقوه سابقًا أو لا يملكون مناعة معروفة بالحصول عليه، خصوصًا العاملين في القطاع الصحي والمسافرين إلى مناطق موبوءة.
وفي حال التعرض للفيروس، يمكن إعطاء اللقاح خلال ثلاثة أيام لتقليل خطر الإصابة، أو حقن الغلوبولين المناعي خلال ستة أيام لمن لا يمكن تطعيمهم مثل الحوامل أو ضعيفي المناعة.
المآل
تتراوح معدلات الوفاة بسبب الحصبة بين 1 إلى 3 لكل ألف إصابة في الدول المتقدمة، وتزداد عالميًا إلى نحو 1 لكل 100 إصابة في المناطق الفقيرة أو بين الأطفال المصابين بسوء تغذية ونقص فيتامين A. ومع أن معظم المصابين يتعافون دون آثار دائمة، فإن الوقاية بالتطعيم تظل الخيار الأكثر أمانًا وفعالية لتجنب المرض ومضاعفاته.
0 تعليق