يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل المجال الطبي، إذ بدأت المستشفيات تعتمد خوارزميات قادرة على تحليل الأشعة والتقارير الطبية خلال دقائق، وتقديم مؤشرات مبدئية حول احتمالية الإصابة بالأمراض.
وقد استخدمت هذه التقنيات في تشخيص أمراض القلب والسرطان والأورام، وحققت نسب دقة مرتفعة تفوق أداء الإنسان في بعض الحالات، غير أن هذه الثورة الرقمية أثارت تساؤلات جوهرية حول مدى أمان بيانات المريضات وخصوصيتهن، خاصة مع توسع جمع المعلومات الصحية الشخصية واستخدامها في تدريب النماذج، فيما حذّرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها “أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحة”،من مخاطر إساءة استخدام بيانات النساء، وطالبت بتشريعات تحمي حقوق المريضات في عصر الذكاء الاصطناعي.
بين الفوائد والأضرار.. الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي
بدأت شركات التكنولوجيا الطبية تطوّر أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها قراءة صور الأشعة وفحوصات الثدي والموجات فوق الصوتية بسرعة مذهلة، وقد ساعدت هذه الأنظمة الأطباء على اكتشاف الأورام الصغيرة في مراحلها المبكرة، فزادت نسب الشفاء وخفّضت معدلات الخطأ التشخيصي، وقد استخدمت المستشفيات الكبرى في مصر وبعض الدول العربية هذه التقنيات ضمن مبادرات الكشف المبكر عن سرطان الثدي خلال “أكتوبر الوردي”، ما مكّن الأطباء من فحص عدد أكبر من الحالات في وقت أقل.
لكن في الوقت نفسه، أثار هذا التطور مخاوف حقيقية تتعلق بالخصوصية، فقد خزّنت الأنظمة كميات ضخمة من البيانات الصحية، بما في ذلك صور الأشعة وسجلات المرضى وتاريخهم الجيني، واستخدمت بعض الشركات هذه البيانات لتدريب النماذج دون الحصول على موافقة واضحة من المرضى، ما فتح الباب أمام احتمالات التسريب أو إساءة الاستخدام، فيما لاحظت منظمات حقوقية أنّ هذه المشكلة تؤثر على النساء أكثر من الرجال، لأن بياناتهن ترتبط بأمراض خاصة كالحمل والخصوبة والهرمونات، وهي معلومات شديدة الحساسية.
كما سجّل خبراء الطب الرقمي حالات تحيّز في خوارزميات التشخيص عندما اعتمدت على بيانات غير ممثلة للنساء، وأظهرت دراسات أمريكية وأوروبية أن بعض النماذج أخفقت في اكتشاف سرطان الثدي لدى نساء من أصول مختلفة بسبب نقص البيانات المتنوعة أثناء التدريب، ودفع هذا الاكتشاف الجهات التنظيمية إلى مراجعة قواعد اعتماد الأنظمة الذكية في التشخيص، وإلزام المطوّرين بتمثيل أفضل للنساء في قواعد البيانات.
فيما استفادت النساء كثيرًا من الذكاء الاصطناعي عندما استخدمه الأطباء كمساعد وليس بديلًا، واعتمدت المستشفيات أسلوب “التحقق المزدوج” بحيث يقترح النظام النتيجة ثم يؤكدها الطبيب قبل إصدار التقرير النهائي، وقد ساعد هذا الأسلوب على رفع الدقة وتقليل الأخطاء، خصوصًا في أقسام الأشعة والأورام النسائية.
ورغم ذلك، ما زالت الحاجة قائمة لتشريعات أقوى تضمن حماية المريضات، وأصدرت بعض الدول العربية قوانين جديدة لتنظيم معالجة البيانات الصحية، لكنها لم تُفعّل بالكامل بعد، كما طالب خبراء الخصوصية بإنشاء هيئات رقابية تتابع كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، وتفرض عقوبات على أي جهة تسيء استخدام بيانات النساء أو تبيعها دون إذن.
وتواصل الشركات الطبية تحسين أنظمتها لتقليل التحيّز وضمان الأمان، بينما تزداد مشاركة الطبيبات والباحثات في تصميم هذه النماذج لتقديم رؤية أكثر شمولًا لاحتياجات النساء، وتعمل مؤسسات دولية مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو حاليًا على وضع “مدونة سلوك عالمية” تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية وتضمن العدالة بين الجنسين في النتائج.
0 تعليق