في عمق الغابات الممتدة بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تدور واحدة من أخطر المعارك الصامتة في إفريقيا.
هناك، لا تُرفع الأعلام ولا تُسمع دوي المدافع في المدن الكبرى، بل تدور الحرب في الظل بين الجيش الأوغندي وتنظيم «داعش» الذي وجد في هذه المنطقة الهشة أرضًا خصبة لبناء نفوذ جديد بعد سقوط خلافته المزعومة في العراق وسوريا.
من جماعة متمردة إلى فرع داعشي
تعود بدايات الجماعة إلى عام 1995 عندما أسس المتمرد «جميل موكولو» حركة تُعرف باسم «القوات الديمقراطية المتحالفة» (ADF)، وكان هدفها آنذاك إسقاط الحكومة الأوغندية بزعم أنها تحارب الإسلام.
ومع مرور السنوات، ومع تصاعد التطرف في المنطقة، تطورت الجماعة لتتحول من تمرد محلي إلى تنظيم إرهابي متشدد يتبنى فكر «داعش» بعد مبايعتها له رسميًا في عام 2019 تحت اسم «ولاية إفريقيا الوسطى».
هذه المبايعة غيرت وجه الصراع في المنطقة، إذ لم تعد أوغندا تواجه جماعة متمردة محدودة الإمكانات، بل تنظيمًا عابرًا للحدود يمتلك تمويلًا متدفقًا واتصالات داخل شبكة داعش العالمية، ويعمل على تنفيذ استراتيجية التوسع في قلب القارة السمراء.
شبكات التمويل والتجنيد
اعتمد داعش أوغندا على مزيج من الوسائل التقليدية والرقمية في تمويل عملياته.
فإلى جانب نهب القرى ومهاجمة القوافل التجارية في شرق الكونغو، يعتمد التنظيم على التحويلات المالية القادمة من خارج إفريقيا، بعضها عبر شركات صرافة غير خاضعة للرقابة، والبعض الآخر عبر العملات الرقمية المشفرة.
وقد كشفت أجهزة الأمن الأوغندية مؤخرًا عن شبكات إلكترونية تعمل على تجنيد الشباب من الجامعات والمدارس الثانوية عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، خاصة في المناطق الريفية الفقيرة حيث يسهل التأثير الفكري والمالي.
الاستراتيجية الداعشية الجديدة
يرى خبراء الأمن في كمبالا أن نشاط داعش في أوغندا ليس هدفه السيطرة على الأراضي، بقدر ما هو محاولة لإثبات الحضور وإبقاء التنظيم في دائرة الضوء العالمي بعد الهزائم التي مُني بها في الشرق الأوسط.
فالتنظيم يدرك أن إفريقيا تمثل الآن مركز الجاذبية الجديد للحركات المتطرفة، حيث تتوافر فيها البيئة المثالية، منها هشاشة أمنية، وضعف التنمية، وتهميش مجتمعي يسمح للتطرف بالتغلغل دون مقاومة فكرية قوية.
ويحذر محللون من أن أوغندا تمثل «الحلقة الوسطى» في مشروع داعش لبناء حزام إرهابي يمتد من الصومال في الشرق إلى الكونغو ونيجيريا في الغرب، مرورًا بتنزانيا وموزمبيق.
هذا الحزام يتيح للتنظيم حرية الحركة وطرقًا آمنة لنقل السلاح والعناصر والتمويل.
التحدي الأمني والسياسي
رغم النجاحات التي حققها الجيش الأوغندي في توجيه ضربات موجعة للتنظيم داخل أراضي الكونغو، إلا أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة والغابات الكثيفة والحدود المفتوحة تجعل القضاء الكامل على «داعش إفريقيا الوسطى» مهمة شبه مستحيلة على المدى القريب.
وقد دفعت هذه التحديات كمبالا إلى تعزيز تعاونها الأمني مع رواندا وتنزانيا وكينيا، في محاولة لتشكيل جدار إقليمي موحد ضد الإرهاب العابر للحدود.
لكن المشكلة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط.
فالكثير من المحللين يشيرون إلى أن استمرار الفقر والبطالة في شمال أوغندا وغربها، إضافة إلى ضعف التعليم الديني المعتدل، يمثل تربة خصبة لتجدد التطرف.
ومن دون معالجة هذه الجذور، ستظل الجماعة قادرة على التجنيد والتوسع مهما كانت الضربات العسكرية قوية.
المعركة الفكرية.. السلاح الغائب
تدرك السلطات الأوغندية أن الرصاص وحده لا يهزم الإرهاب، لذلك بدأت مؤخرًا في إطلاق برامج توعية دينية بالتعاون مع الأزهر الشريف وبعض المؤسسات الإسلامية المعتدلة في شرق إفريقيا، بهدف نشر خطاب ديني وسطي يقاوم الفكر الداعشي.
كما يجري العمل على إعادة دمج الشباب العائدين من صفوف الجماعة في المجتمع، عبر برامج تدريب وتأهيل نفسي ومهني، في محاولة لقطع دورة العنف المتكررة.
0 تعليق