إعصار الجائزة لم يهدأ بعد.. جائزة نوبل.. للسلام أم للسياسة؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى قرار أثار جدلًا واسعًا بقدر ما أثار احتفاء، مُنحت جائزة نوبل للسلام لعام 2025 للناشطة السياسية الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، التى تعيش مختبئة منذ أكثر من 14 شهرًا، وبينما بررت لجنة "نوبل" النرويجية قرارها بـ"عمل ماتشادو الدءوب فى تعزيز الحقوق الديمقراطية"، اعتبر مراقبون أن الاختيار يعكس توجهًا سياسيًا منحازًا، ويثير تساؤلات عميقة حول استقلالية الجائزة وعلاقتها بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وقالت لجنة "نوبل" النرويجية، فى بيان، إن ماتشادو فازت "بفضل عملها الدءوب فى تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا"، بينما اعتبر مراقبون أن اختيارها يعكس توجهًا سياسيًا منحازًا أكثر من كونه تكريمًا لنشاط إنسانى مستقل.

وفور الإعلان، أهدت ماتشادو، فى لفتة كاشفة، الجائزة إلى شعب فنزويلا وإلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وقالت عبر منصة "إكس": "أُهدى هذه الجائزة لشعب فنزويلا، وللرئيس ترامب، لدعمه الحاسم لقضيتنا! اليوم، أكثر من أى وقت مضى، نعتمد على الرئيس ترامب كحليف رئيسى لنا".

ماتشادو تدعم نقل السفارة الفنزويلية إلى القدس وساندت علنًا الحرب الإسرائيلية على غزة

حزب فينتى يكشف عن تحالف سياسى معلن يقوم على تعاون استراتيجى فى ملفات الأمن والعلاقات الدولية والجغرافيا السياسية مع إسرائيل

مسيرة ماريا ماتشادو

تعتبر ماتشادو (٥٨ عامًا)، وهى مهندسة حاصلة على دراسات عليا فى التمويل من كاراكاس وبرنامج للقادة العالميين من جامعة ييل، أحد أبرز وجوه المعارضة للرئيس نيكولاس مادورو، ولعبت دورا محوريا فى السياسة الفنزويلية، وتعرف بمواقفها الليبرالية التى تدعو إلى اقتصاد السوق الحر وخصخصة الشركات العامة.

بدأت مسيرتها السياسية مبكرًا، لكن نجمها سطع بعد فوزها فى الانتخابات التمهيدية للمعارضة عام ٢٠٢٤، قبل أن تمنعها المحكمة العليا من الترشح.

تكشف مسيرة ماتشادو عن شبكة واسعة من العلاقات المعلنة وغير المعلنة مع جهات إقليمية ودولية، فقد حظيت باهتمام عالمى مبكر، تجلى فى لقائها بالرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش فى البيت الأبيض عام ٢٠٠٥، وتلقيها جائزة من مؤسسة بالينجر، واعتبارها من أكثر النساء إلهامًا وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سي) فى ٢٠١٨.

ومنذ إعلان مادورو فوزه فى الانتخابات، تعيش ماتشادو مختبئة، ووجهت من مكانها السرى رسالة عبر صحيفة "وول ستريت جورنال" فى أغسطس ٢٠٢٤، مؤكدة أن لديها دليلًا على تزوير الانتخابات، ومتسائلة: "هل سيدعمنا المجتمع الدولي؟".

غرض التكريم

يرى النقاد أن مسيرة ماتشادو تخفى شبكة من العلاقات الوثيقة مع اللوبى الصهيونى فى أمريكا اللاتينية وجهات أمريكية وإسرائيلية نافذة، مما يجعل الجائزة أقرب إلى رسالة سياسية منها إلى تكريم إنساني، وتستند هذه القراءة إلى عدة مؤشرات:

التنسيق مع إدارة ترامب.. وهو الأمر الأكثر إثارة للجدل، وفقًا لتقارير إعلامية مثل تقرير صحيفة "El País" الإسبانية، هو لقاؤها بريتشارد جرينيل، مبعوث الرئيس الأمريكى آنذاك دونالد ترامب، فى كاراكاس، حيث ناقشا سبل دعم واشنطن للمعارضة و"إمكانية تنسيق الخطوات لإسقاط النظام"، ويلاحظ أن جرينيل معروف بعلاقاته الوثيقة بالحكومة الإسرائيلية وباللوبى المؤيد لها فى واشنطن.

دعم غربي

حظيت ماتشادو باهتمام دولى لافت حتى قبل ذروة نشاطها، حيث التقت بالرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى البيت الأبيض عام ٢٠٠٥، وحصلت على جوائز دولية مرموقة مثل جائزة "ساخاروف لحرية الفكر" عام ٢٠٢٤.

تحالف وثيق مع حزب الليكود الإسرائيلي

الوثيقة الرسمية التى تم توقيعها فى ٢١ يوليو ٢٠٢٠ بين حزب الليكود، ممثلًا بإيلى فيريد حزان، وحزب فينتى فنزويلا الذى تقوده ماريا كورينا ماتشادو، كشفت عن تحالف سياسى معلن يقوم على تعاون استراتيجى فى ملفات الأمن والعلاقات الدولية والجغرافيا السياسية. وينص الاتفاق على "تعزيز التعاون بين الشعبين الإسرائيلى والفنزويلي"، إلى جانب توطيد العلاقات على أساس "الحرية والديمقراطية واقتصاد السوق".

83412e3f20.jpg

هذا التحالف لا يمكن فصله عن مواقف ماتشادو المؤيدة للحكومة الإسرائيلية، إذ أعلنت مرارًا دعمها لنقل السفارة الفنزويلية إلى القدس فى حال توليها الحكم، وساندت علنًا الحرب الإسرائيلية على غزة، كما أيدت سياسات اليمين الإسرائيلى بقيادة بنيامين نتنياهو، هذه المواقف ساهمت فى اعتبار الجائزة مكافأة سياسية على الولاء، وليس اعترافًا بنشاط سلمي.

الصراع الأمريكى الفنزويلى وتأثيره على قرار نوبل

يأتى تكريمها فى ذروة التوتر بين واشنطن وكاراكاس، وكانت الولايات المتحدة قد ضاعفت فى أغسطس ٢٠٢٤، المكافأة المرصودة مقابل معلومات تؤدى إلى اعتقال الرئيس الفنزويلى لتصل إلى ٥٠ مليون دولار، متهمة إياه بأنه "أحد أكبر تجار المخدرات فى العالم".

وقصفت الولايات المتحدة عدة قوارب زعمت أنها كانت محملة بالمخدرات، مما أسفر عن مقتل ٢١ شخصًا على الأقل.

ويعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من أشد منتقدى مادورو، الذى عاد إلى منصبه فى يناير عقب انتخابات فى فنزويلا.

ويشير مراقبون إلى أن ما حدث يندرج ضمن "دبلوماسية الجوائز"، التى تستخدم لتلميع شخصيات متحالفة مع واشنطن فى إطار إعادة تشكيل المشهد السياسى فى دول الجنوب.

منذ إعلان فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام ٢٠٢٥، تصاعدت الانتقادات التى تعتبر القرار منحازًا سياسيًّا أكثر منه تقديرًا لجهود إنسانية.
ويرى مراقبون أن مسار ماتشادو السياسى وتحالفاتها الخارجية يكشف أن الجائزة جاءت فى إطار إعادة توظيف رمزى وسياسى يخدم نفوذ واشنطن وحلفائها فى أمريكا اللاتينية، وليس باعتبارها ناشطة فى صنع السلام أو إنهاء النزاعات.

بحسب تقارير دولية، فإن ماتشادو ليست مجرد معارضة داخلية للنظام الفنزويلي، بل تمثل توجهًا غربيًا واضحًا، وتتبنى خطابًا يستند إلى النموذج الأمريكى فى إدارة الدولة والاقتصاد والتحالفات، وهو ما جعل تكريمها محل تساؤل حول استقلالية الجائزة، خاصة بعد أن ربطت الفوز بإهداء التكريم للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.

عبد الرحيم علي: نوبل ماتشادو «مكافأة»

فى تعليقه على هذا التطور، اعتبر الكاتب الصحفى عبد الرحيم علي، رئيس مجلسى إدارة وتحرير «البوابة» ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط فى باريس، أن الجائزة ليست تكريمًا محايدًا، بل انعكاس مباشر لانحياز سياسي، وأكد أن ماتشادو "نالت الجائزة لأنها من أبرز داعمى السياسات الأمريكية والإسرائيلية فى أمريكا اللاتينية".

18d28d1a29.jpg
عبد الرحيم علي

وأشار على إلى أن تحالف ماتشادو مع حزب الليكود الإسرائيلي، وتأييدها الحرب على غزة، وتعهدها بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ونقل السفارة إلى القدس، كلها مؤشرات تكشف عن ارتباط واضح بالأجندة الغربية. كما اعتبر أن إشادتها المتكررة بدونالد ترامب وتبنّيها النموذج الأمريكى دليل إضافى على أن الجائزة جاءت كمكافأة سياسية لا كتقدير لجهد إنساني.

دلالة التوقيت

يأتى منح الجائزة لماتشادو فى توقيت بالغ الحساسية، خصوصًا بعد تصاعد التوتر بين واشنطن وكاراكاس خلال الأعوام الأخيرة.

هذا السياق يُظهر أن تكريم شخصية معارضة على صلة وثيقة بالإدارة الأمريكية ليس قرارًا معزولًا، بل يأتى كجزء من مسار سياسى أوسع، يندرج تحت ما يسميه محللون بـ"دبلوماسية الجوائز" التى تستخدم لتلميع شخصيات متحالفة مع الغرب فى دول الجنوب.

مقارنة بتجارب سابقة.. توكل كرمان نموذجًا

على خطى الناشطة اليمنية والتناقض بين شعار السلام والخطاب التحريضى

يطرح البعض مقارنة بين فوز ماتشادو والناشطة اليمنية توكل كرمان، التى فازت بالجائزة عام ٢٠١١، ليس لإنهاء صراع مباشر، بل لنضالها فى مجال حقوق المرأة.

غير أن تصريحات كرمان اللاحقة المثيرة للجدل، والتى باركت فيها أعمال عنف فى بعض المدن المغربية ووصفتها بـ "المجد"، أثارت تساؤلات مماثلة حول التناقض بين شعار السلام والخطاب التحريضي، مما يسقط برأى كثيرين المعنى الأخلاقى للجائزة ويحولها إلى غطاء لأجندات سياسية.

ويرى منتقدو ماتشادو تبنيها لخطاب غربى بالكامل، بل وأنها لم تكتف بهذه العلاقات، بل أعلنت مواقف سياسية حادة، حيث أعلنت دعمها لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتحالفت علنًا مع حزب الليكود الإسرائيلي، وباركت الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحالفها مع إدارة ترامب، معربة عن اعتمادها الكلى على دعمه ودعم الشعب الأمريكي، مما يجعلها شخصية مثيرة للانقسام أكثر من كونها رمزًا للسلام.

فى سياق حول تسييس الجائزة، يرى مراقبون أن حالة ماتشادو ليست الأولى، ويعاد اليوم استحضار تجربة الناشطة اليمنية توكل كرمان، التى حصلت على الجائزة عام ٢٠١١ رغم عدم ارتباط نشاطها بإنهاء حرب أو تحقيق سلام مباشر، بل إن تصريحاتها لاحقًا، التى أيدت فيها أعمال عنف فى مدن مغربية ووصفتها بأنها "مجد"، ساهمت فى التشكيك فى المعايير الأخلاقية لنوبل.

فى النهاية، يفتح فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام الباب مجددًا أمام التساؤلات حول مدى خضوع الجائزة للتوجهات السياسية الغربية، ويطرح سؤالًا جوهريًا: هل لا يزال العالم يكرم صانعى السلام، أم أنه يكافئ الحلفاء السياسيين؟، وتنكشف ملامح ارتباط وثيق يجعل الجائزة، فى عيون كثير من النقاد، أقرب إلى رسالة سياسية منها إلى تكريم إنسانى بريء، مما يفتح الباب مجددًا أمام إشكالية توظيف الجوائز العالمية فى الصراعات الجيوسياسية.

هذا النوع من المقارنات يطرح تساؤلًا متكررًا: هل يُكرَّم صانعو السلام فعلًا، أم يُختار من يخدم أجندات معينة فى لحظات سياسية محددة؟

المصداقية الدولية للجائزة

منذ تأسيسها، احتُفى بجائزة نوبل للسلام بوصفها رمزًا عالميًا لجهود إنهاء النزاعات وتعزيز الحوار. غير أن القرارات الصادمة خلال العقدين الأخيرين بدءًا من الرئيس الأمريكى باراك أوباما عام ٢٠٠٩، مرورًا بتوكل كرمان، وصولًا إلى ماتشادو – خلقت انقسامات عميقة حول معايير منحها.
ويرى منتقدون أن ما يجرى يمثل تحوّلًا فى وظيفة الجائزة من دعم السلم الأهلى إلى لعب أدوار سياسية فى دول تعانى من اضطرابات داخلية، كما هو الحال فى فنزويلا.

شبكة النفوذ الدولى والتحالفات الخفية

تكشف مسيرة ماتشادو عن شبكة تحالفات دولية نسجتها على مدى سنوات، فقد ظهرت على الساحة العالمية منذ لقائها الرئيس الأميريكى الأسبق جورج دبليو بوش فى البيت الأبيض عام ٢٠٠٥، كما تلقت جوائز عديدة قبل دخولها فى سباق المعارضة العلني، مثل جائزة "ساخاروف لحرية الفكر" عام ٢٠٢٤.
وبحسب تقارير غربية، فإن دعم اللوبى الصهيونى فى أميركا اللاتينية، والتنسيق مع شخصيات نافذة فى إسرائيل والولايات المتحدة، منحاها ثقلًا دوليًا ساعد لاحقًا فى إبرازها كوجه "ملائم" للتكريم.

تساؤلات حول مفهوم السلام

يطرح فوز ماتشادو سؤالًا جوهريًا: ما هو الحد الأدنى من شروط السلام المطلوب لتحقيق الجائزة؟ فهى لم تنه حربًا، ولم تُطلق مبادرة مصالحة وطنية، ولم تتدخل لنزع فتيل صراع أهلي، بل إن خطابها الحاد ضد النظام فى بلادها، وتحالفها مع قوى خارجية، يجعل منها شخصية صدامية أكثر من كونها وسيطًا للتهدئة.

هنا يظهر التحول الأكبر من تكريم من "يصنع السلام" إلى اختيار من "يمثل رواية الغرب" فى السياسة الدولية.

بين التتويج السياسى وحقيقة الدور

بعد الإعلان عن الجائزة، شكّك كثيرون فى الهدف الحقيقى من هذا التكريم. هل هو دعم "الديمقراطية" كما تقول لجنة نوبل؟ أم محاولة لإعادة إنتاج قيادة بديلة موالية للغرب فى فنزويلا؟ وهل يأتى التكريم فى لحظة تستعد فيها واشنطن لإعادة ترتيب أوراقها فى أمريكا اللاتينية؟

هذه الأسئلة تعيد طرح قضية الاستقلالية، خصوصًا أن الجائزة جاءت بعد فترة اختفاء لماتشادو دامت أكثر من ١٤ شهرًا، ظهرت خلالها فقط عبر رسائل إلى الصحافة الأمريكية.

السياسة تسبق السلام

إن الجدل المحيط بجائزة هذا العام لا يتعلق بشخصية فائزة فحسب، بل بمستقبل الجائزة نفسها. فحين تُمنح نوبل لمن تربطها تحالفات معلنة مع حزب الليكود، وتعلن تأييدها لحروب تشهدها المنطقة، وتهدى الجائزة إلى ترامب، وتدعو لنقل السفارة إلى القدس، يصبح السؤال مُلحًا: هل ما زال العالم يكرم دعاة السلام، أم أن الجوائز باتت تُمنح لمن يصطف فى المحور "الصحيح" دوليًا؟

فى ضوء ذلك، تبدو الجائزة فى عيون كثيرين أقرب إلى رسالة سياسية موجّهة، لا إلى تكريم إنسانى بريء، ما يعيد النقاش حول تسييس المؤسسات العالمية وتأثيرها على الوعى العام وصناعة الرموز.

تبدو الجائزة فى عيون كثيرين أقرب إلى رسالة سياسية موجّهة، لا إلى تكريم إنسانى بريء ما يعيد النقاش حول تسييس المؤسسات العالمية وتأثيرها على الوعى العام وصناعة الرموز.

f66e54fe30.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق