في قلب القاهرة القديمة تختلط أصوات الباعة مع وقع المطارق على الخشب، حيث تفوح رائحة الأخشاب والزيوت القديمة، ويقف مصطفى الشهير بـ"البراملجي" بين براميله الخشبية التي تحكي قصص ماضٍ طويل المكان أشبه بمتحف حيّ البراميل مصطفّة بجوار بعضها بعضها يتجاوز عمرها مئات السنين، وأخرى جديدة تلمع بخشبها المصقول لكنها جميعًا تحمل روح الصنعة الأصيلة.
يبدأ مصطفى حديثه لـ"البوابة نيوز" بالتعريف عن نفسه مبتسمًا: أنا مصطفى البراملجي شهرتي (نجار براميل) زي نجار شباك ودي مهنتنا من جيل لجيل، والدي وجدي كانوا فيها، والحمد لله أنا مكمل بعدهم. ويروي مصطفى أن المهنة قديمة ومرّت بتطورات كبيرة: زمان كانت البراميل للمية والفسيخ والطَرش والخمور دلوقتي بقت للعطارة والديكور والعلافة وحتى للزراعة المهنة اتطورت بس لسه محتاجة دماغ ونظر وصبر مشيرًا إلى أن العمل شاق ومرهق لكنه لا يرى نفسه بعيدًا عنها: أنا بعشقها ومقدرش أغيرها شغلتنا أصعب من الحداد، طول النهار واقف بدق على الخشب لكن ما نستغناش عنها.
وأضاف مصطفي: الموسم الكبير بتاعنا هو رمضان.. الناس بتحتاج براميل للعطارة والعلافة، وكل رمضان الشغل بيرجع له بهجه، والبراميل بتبقى نجمة البيوت والأسوا". وعن جذور الحرفة في عائلته، يفتخر مصطفي بعائلته قائلاً: جدي خد ميدالية برونزية من المعرض الصناعي أيام الملك فؤاد سنة 1930 في صناعة البراميل، وأنا وأخواتي الأربعة مكملين بعده، وأولادنا بيشتغلوا معانا مشددًا على أن الاستمرارية صعبة مع تراجع اهتمام الشباب الجدد عن العمل اليدوي:الشباب مش حابب الشقا لكن أنا وأخواتي وأولادنا لسه متمسكين بيها وإحنا بنحبها وبنعشقها حتى لو صعبة كما يشير إلى أن البراميل المصرية كان لها حضور حتى خارج الحدود: زمان صدرنا للسودان وليبيا والأردن لكن التصدير الكبير صعب بسبب التكلفة العالية للطيران والشحن ومع ذلك لسه شغلنا مطلوب خصوصًا في رمضان وكمان للديكور في السينما والتليفزيون.
مضيفًا أن البراميل القديمة لها قيمة خاصة: البراميل اللي عندي منها اللي بقاله أكتر من 200 سنة، ومع ذلك واقف زي ما هو، وده سر الحرف ورغم التعب اليومي، يؤكد مصطفى أنه لا يشعر بالملل: والشغل صعب لكن ممتع ومش أي حد يعرف يشتغل فيه ولو سبته يوم أحس إن في حاجة ناقصة في حياتي.
في نهاية حديثه يوجّه مصطفى رسالة مؤثرة للشباب:أنا نفسي الشباب ما يسيبوش الحرف دي تموت المهنة دي عمرها طويل، وفيها رزق وشرف وتاريخ اللي يشتغل فيها يمكن يتعب لكن هيعلم قيمة الشغل والعرق، والحرفة دي بالذات جزء من تاريخ مصر ويختتم مصطفى حديثة قائلاً: البرميل بالنسبة لنا مش خشب ومسامير ده حكاية عمر وعِشرة من أيام جدي لحد النهاردة .








0 تعليق