في أواخر عام 1924، بدأ عالم الأنثروبولوجيا ريموند دارت إزالة الصخور المحيطة بجمجمة قديمة فى تاونغ في جنوب أفريقيا، ليكشف عن أحد أهم الاكتشافات في تاريخ دراسة التطور البشري، كانت الجمجمة صغيرة الحجم، أقرب إلى فنجان قهوة، لكنها حملت سمات مميزة جعلتها مختلفة عن القردة العليا والقرود الأخرى، وفي الوقت نفسه أقرب إلينا من حيث البنية.
أعمال التنقيب
ورغم أن دارت يُنسب إليه الفضل في هذا الاكتشاف، إلا أن الجمجمة لم تصل إليه مباشرة من أعمال التنقيب، البداية كانت عندما أحضر عمال محليون في مصنع بوكستون للجير جمجمة بابون إلى الشركة، لتصل بعد ذلك إلى طالبة دارت، جوزفين سالمونز، التي عرضتها عليه. هذا الاكتشاف الأول دفع دارت إلى البحث عن المزيد، بمساعدة زميله الجيولوجي روبرت يونغ وعامل المحجر دي بروين، الذي عثر في نوفمبر على قالب دماغي داخل صخرة وسلّمه إلى يونغ، ليصل في النهاية إلى دارت.
أهم الاكتشافات فى تاريخ علم الإنسان
في مذكراته المنشورة عام 1959 بعنوان مغامرات مع الحلقة المفقودة، وصف دارت لحظة الاكتشاف قائلاً:"ما إن رفعت الغطاء حتى اجتاحتني موجة من الإثارة، كان أمامي قالب داخلي لجمجمة، أمسكت به بشغف كما يمسك البخيل ذهبه، مدركًا أنه أحد أهم الاكتشافات في تاريخ علم الإنسان.
وفي 23 ديسمبر، تمكن دارت من رؤية ملامح الوجه داخل الصخرة، ليبدأ رحلة تحليل استمرت أربعين يومًا. وفي فبراير 1925، نشر ورقة بحثية في مجلة Nature أعلن فيها عن اكتشاف نوع جديد أطلق عليه اسم Australopithecus africanus أو "إنسان القرد في جنوب أفريقيا".
كان هذا أول اكتشاف لجمجمة شبه مكتملة لسلف بشري قديم، أظهرت خصائص تشريحية أقرب إلى طفل بشري في السادسة من عمره، رغم أن التقديرات الحديثة تشير إلى أن عمره كان بين الثالثة والرابعة. ويُرجح معظم الباحثين أن "طفل تاونغ" كان أنثى.
تحديد عمر الجمجمة
تحديد عمر الجمجمة ظل تحديًا بسبب فقدان السياق الجيولوجي الأصلي، لكن الدراسات الحديثة ترجح أن عمرها يقارب 2.58 مليون سنة. ولعقود طويلة، اعتُبر A. africanus سلفًا مباشرًا للإنسان، حتى جاء اكتشاف "لوسي" عام 1974 في إثيوبيا، المنتمية إلى نوع Australopithecus afarensis، ليزيح "طفل تاونغ" عن موقعه.
ومع ذلك، لا تزال القصة مفتوحة، إذ تشير بعض الأدلة الأحفورية الحديثة إلى احتمال أن يكون A. africanus هو السلف المباشر للإنسان، ما يعيد "طفل تاونغ" إلى دائرة الضوء من جديد
















0 تعليق