قال الدكتور صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، إن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة تعكس دخول الولايات المتحدة مرحلة "إدارة التراجع" ومحاولة إعادة التموضع الإمبراطوري، مشيرًا إلى أن التحولات الجارية كشفت بوضوح حدود التحالف الأمريكي – الإسرائيلي، وتراجع قدرة إسرائيل على فرض أجندتها السياسية والعسكرية على واشنطن.
وأوضح "عبدالعاطي"، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن يومًا علاقة تبعية مطلقة أو تحكم لوبي فقط، بل هي تحالف استراتيجي غير متكافئ تحكمه بالأساس المصلحة الأمريكية العليا، وتتغير حدوده تبعًا لموقع إسرائيل الوظيفي في الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط.
وأشار إلى أن إسرائيل تواجه في المرحلة الراهنة أزمة مركبة تمس مكانتها ودورها، تبدأ بأزمة شرعية دولية غير مسبوقة نتيجة توصيفها المتزايد كدولة استعمار استيطاني ونظام فصل عنصري، في ظل ما ارتكبته من جرائم جسيمة بحق الفلسطينيين، لا سيما حرب الإبادة في قطاع غزة، وما رافقها من عزلة دولية وتصاعد حملات المقاطعة.
وأضاف أن هذه الأزمة تمتد إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، مع تصاعد الانقسام السياسي والمجتمعي، وصعود اليمين الديني المتطرف، وتقويض استقلال القضاء، فضلًا عن تراجع صورة إسرائيل كـ"ملاذ آمن" لليهود، وتصدع علاقتها بقطاعات واسعة من يهود الشتات، خاصة في الأوساط الليبرالية والتقدمية.
عبء سياسي
وشدد "عبدالعاطي" على أن إسرائيل تحولت من "رصيد استراتيجي" إلى عبء سياسي وأخلاقي متزايد على حلفائها الغربيين، ما دفع الولايات المتحدة إلى الانتقال من دور الحماية المطلقة إلى سياسة ضبط وإدارة للسلوك الإسرائيلي، خاصة عندما بات هذا السلوك يهدد المصالح الأمريكية وصورتها الدولية واستقرار الإقليم.
وفيما يتعلق بغزة، أكد أن الحرب الأخيرة نقلت مركز القرار الفعلي من تل أبيب إلى واشنطن، وكشفت عن محدودية القدرة الإسرائيلية على الحسم العسكري، واعتمادها شبه الكامل على الدعم الأمريكي سياسيًا وعسكريًا، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة باتت تدير عمليًا ملفات التهدئة و"اليوم التالي" وإعادة الإعمار وترتيبات الحكم.
وحول الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، اعتبر عبدالعاطي أن واشنطن تمارس سياسة إدارة الأزمات لا حلّها، وتكريس الهيمنة بدلًا من احترام القانون الدولي، من خلال الشراكة الكاملة في حرب الإبادة، وتوفير الغطاء السياسي لإسرائيل، والهجوم على المؤسسات الدولية وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية ووكالة "أونروا".
وأشار إلى أن الداخل الأمريكي نفسه يشهد تحولات لافتة، مع تراجع التأييد الشعبي لإسرائيل، خاصة بين الشباب، وتصاعد النقد داخل الحزب الديمقراطي والتيارات التقدمية، وتحول الدعم لإسرائيل من قضية إجماع حزبي إلى ملف خلاف سياسي داخلي.
وأكد رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني أن هذه التحولات تفرض على الفلسطينيين والعرب استراتيجيات جديدة، تقوم على استثمار التناقضات داخل التحالف الأمريكي – الإسرائيلي، وتوسيع مسارات المحاسبة الدولية، وبناء موقف عربي جماعي مستقل يربط العلاقات مع واشنطن بإنهاء الاحتلال لا بإدارة الصراع.










0 تعليق