شهدت العلاقات بين مصر والصين تطورًا ملحوظًا في العديد من المجالات، والتي تكتمل العام المقبل بالاحتفال بمرور 70 عامًا على تأسيس العلاقات الدبلوماسية والتعاون المتبادل بين القاهرة وبكين على المستوى الثنائي، ومن أبرزها التعاون في مجال الطب الصيني التقليدي، الذي يُعد أحد أقدم أنماط الرعاية الصحية في العالم، وذلك في إطار تعزيز الرعاية الصحية وتوسيع خيارات العلاج للمواطنين.
ويعكس هذا التعاون المصري الصيني عمق الشراكة العلمية والثقافية بين البلدين، ويُشكّل نموذجًا عمليًا للاستفادة من خبرة الصين الطبية العريقة، مع دعم جهود مصر في تطوير قطاع الرعاية الصحية والتثقيف الطبي البديل.
وبحسب تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تُعد الصين الشريك التجاري الأول لمصر، مُعربًا عن تطلعه لتعزيز استثمارات الشركات الصينية في السوق المصرية، حيث تجاوزت الاستثمارات الصينية في مصر 3 مليارات دولار، مؤكدًا استمرار دعم مصر لمبدأ «الصين الواحدة»، ومُعربًا عن تقديره للجهود الصينية ومساندتها لمواقف مصر في قضايا الشرق الأوسط، ودعمها لتحقيق خطط التنمية الوطنية.
قنصل عام دولة الصين في الإسكندرية لـ«الدستور»: التعاون بين مصر والصين يتمتع بآفاق واسعة في مجال الطب الصيني التقليدي
من جانبه، قال القنصل يانج يي، قنصل عام دولة الصين في الإسكندرية، إنه في ظل التوجيه الاستراتيجي للرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تشهد العلاقات الصينية المصرية أفضل فتراتها تاريخيًا، موضحًا أن الصين تُولي أهمية كبيرة للتعاون الدولي في مجال الطب الصيني التقليدي، وتسعى إلى تعزيز دوره بما يعود بالنفع على شعوب مختلف دول العالم.
وفي تصريح خاص لـ«الدستور»، تابع قنصل عام دولة الصين في الإسكندرية أن دولتي الصين ومصر تتمتعان بآفاق واسعة للتعاون في مجال الطب الصيني التقليدي، وذلك من خلال تعاون الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في كلا البلدين، الذي يزداد عمقًا بشكل مستمر، ويشمل مجالات إعداد الكوادر المتخصصة في الطب الصيني، والبحث العلمي المشترك، والتعليم الأكاديمي المتخصص، بما يدفع مسيرة تدويل الطب التقليدي.
وأضاف أن الطب الصيني يُعد جزءًا ثمينًا من الثقافة الصينية، تطور على مدى آلاف السنين، وهو ليس مجرد مجال طبي فقط، بل فلسفة متكاملة تُجسد العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ومن أهم صور التعاون بين المؤسسات الصحية في البلدين، إدخال تقنية الوخز بالإبر، وهي من أبرز أساليب الطب الصيني التقليدي، إلى مصر منذ سبعينيات القرن العشرين. ومنذ عام 1972، تأسس أول مركز للوخز بالإبر في مصر، والذي حظي باهتمام واسع وإشادة كبيرة من الشعب المصري، بفضل أساليبه المميزة وفعاليته العلاجية.
وأضاف القنصل يانج يي، قنصل عام دولة الصين في الإسكندرية، أنه في عام 2025 شهدت الإسكندرية والصين زيادة ملحوظة في التبادل بمجال الطب التقليدي والطب الصيني. وتستعد القنصلية العامة للقيام بدور حلقة الوصل ودعم الجامعات ومؤسسات البحث والمستشفيات في الإسكندرية لتعزيز التعاون مع نظرائها في الصين في مجال الطب الصيني، والعمل معًا على دفع التنمية عالية الجودة للطب الصيني بين الصين ومصر، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين في مجال الصحة.

«الدستور» تشارك في زيارة رسمية لدولة الصين لبرنامج الطب الصيني التقليدي التدريبي
وكانت «الدستور» قد شاركت في زيارة دولية إلى دولة الصين لمعايشة أهم التقنيات والأساليب الطبية المتبعة في مجال الطب الصيني التقليدي، واستخدام الأعشاب الطبية في وصفات صينية محددة، وتقنيات الوخز بالإبر لأغراض علاجية أو وقائية، والعلاج بالضغط أو التدليك الصيني الحراري، إضافة إلى أساليب التغذية والحمية العلاجية المستندة إلى المبادئ الصينية التقليدية.
وخلال زيارة رسمية لإحدى المستشفيات الحكومية بدولة الصين، تم التعرف على تاريخ الطب الصيني التقليدي منذ بداياته، وأهم الأدوات والطرق القديمة المتبعة، والأساليب العلاجية وفق نظرية الطب الصيني التقليدي (TCM)، التي تعتمد على علاج الأمراض وفق منظور شامل، وتقديم التمريض القائم على استخدام تقنيات وأساليب الطب الصيني التقليدي لعلاج الأمراض والوقاية منها، من خلال تحفيز أجزاء معينة من الجسم لفتح قنوات تنظيم الطاقة.
كما شملت الزيارة تطبيق علاج الموسيقى وفق نظرية العناصر الخمسة لتنظيم المشاعر السلبية وعلاج ارتفاع ضغط الدم، وتطوير الكفاءات الأساسية في تأهيل مرضى القلب، وتطبيق الكي والحجامة في علاج أنماط ركود الدم لمرضى القلب التاجي، فضلًا عن الإدارة الشاملة لإعادة تأهيل مرضى سرطان الثدي، وتمريض الطب التقليدي للسكتة الدماغية الإقفارية الحادة، ليُعد ذلك جزءًا مهمًا من علم تمريض الطب الصيني التقليدي، بما يسهم في حماية صحة الإنسان في النهاية.



«الدستور» في زيارة المتحف الوطني للعلاجات العشبية لحماية التراث الثقافي في دولة الصين
يعتمد الطب الصيني التقليدي بشكل أساسي على طب الأعشاب بوصفه أحد أقدم وأهم ركائزه العلاجية. وكان لـ«الدستور» زيارة إلى المتحف الوطني لحماية التراث الثقافي في العاصمة بكين بدولة الصين The China Intangible Cultural Heritage Museum، في تجربة حية ومعايشة مباشرة لكيفية تحويل الأعشاب إلى وصفات طبية لمعالجة عدد من الآلام، وعلى رأسها الصداع النصفي.
وتمثل الأعشاب جوهر الفلسفة العلاجية التي ترى أن التوازن بين عناصر الجسد والطاقة الحيوية هو مفتاح الشفاء، حيث يستخدم الطب الصيني آلاف الأنواع من النباتات والجذور والبذور والزهور، ويتم اختيار كل عشبة بعناية وفق خصائصها وتأثيرها على الجسم، كما تُحضّر على شكل شاي طبي أو مساحيق أو مراهم أو أقراص، اعتمادًا على فهم عميق لطبيعة العشبة وحرارتها وتأثيرها على الأعضاء والقوى الحيوية.
ويلجأ الطب الصيني إلى العلاجات العشبية في حالات متعددة، مثل تعزيز المناعة، وتخفيف الالتهابات، وتحسين الهضم، وتهدئة التوتر، مما جعل طب الأعشاب أحد أعمدة الطب الصيني التقليدي وأكثر عناصره انتشارًا حول العالم.

دكتورة مصرية لـ«الدستور»: نفتخر بالإنجازات الطبية المصرية والتبادل العلمي مع دولة الصين ثراء مهني لصحة المواطنين
أعربت الدكتورة عبير زكريا، عميدة كلية التمريض بجامعة المنصورة، عن فخرها بالإنجازات الطبية المصرية، مؤكدة أن البرنامج قدم نموذجًا متميزًا للتعاون الدولي في تطوير قدرات العاملين بالقطاع الصحي، وتعزيز التبادل الثقافي والعلمي بين أساليب الطب المصرية والطب الصيني، في ظل ما بذلته الدولة المصرية من جهود وإنجازات غير مسبوقة لتطوير المنظومة الطبية.
وأضافت أن التدريب أتاح للمشاركين فهمًا أعمق لدور الطب الصيني التقليدي كمنهج تكميلي يعزز جودة الحياة ويحسن صحة المرضى، مشيرة إلى أنه يقدم رؤية تمريضية شمولية تجمع بين أساليب الطب الصيني والنهج الغربي في إطار عملي متكامل.
وتحدثت روشني جيري من دولة نيبال عن تجربتها داخل البرنامج، ووصفتها بأنها من أكثر التجارب ثراءً في مسيرتها المهنية، مؤكدة أنها تعرّفت على فلسفة تدفق الطاقة داخل الجسم، ما فتح أمامها آفاقًا جديدة لفهم الطب الصيني وأهميته في دعم الطب الحديث.
كما قالت الدكتورة بريندا كروز من دولة السلفادور إن مشاركتها في البرنامج شكّلت نقطة تحول في دراستها للطب العام، ووصفت التجربة في الصين بأنها «استثنائية على المستويين العلمي والإنساني».
وأعربت شارون توماس من جزر الكاريبي بأمريكا عن اعتزازها بالمشاركة في البرنامج، مؤكدة أن اللقاءات متعددة الثقافات أضافت بعدًا مهمًا للتجربة، وأشارت إلى نيتها نقل هذه الخبرات إلى بلدها.
وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة مايا توفا من دولة كازاخستان أن البرنامج يمثل إضافة حقيقية للكوادر الصحية في الدول النامية، مشيرة إلى أن التدريبات الميدانية مكّنت المشاركين من مشاهدة تطبيق تقنيات الطب الصيني التقليدي على أرض الواقع داخل بيئة سريرية منظمة.














0 تعليق