في ذكرى رحيله..
في مثل هذا اليوم، رحل المؤرخ والسياسي المصري عبد الرحمن الرافعي (1889 – 1966)، الذي جمع بين الفكر التاريخي والعمل السياسي، تاركًا إرثًا غنيًا في تاريخ مصر الحديث، فلم يكن "الرافعي" مجرد مؤرخ يسجل الأحداث، بل كان فاعلًا سياسيًا شارك في صنعها، وحافظ على استقلالية فكره الوطني.
بدايات عيد الرحمن الرافعي.. من الحقوق إلى الصحافة الوطنية
ولد عبد الرحمن الرافعي في حي الخليفة بالقاهرة، في أسرة علمية تنحدر أصولها إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وتلقى تعليمه في مدارس الزقازيق والقرابية ورأس التين، ثم انتقل مع أسرته إلى الإسكندرية حيث أنهى المرحلة الثانوية، والتحق بعدها بكلية الحقوق في القاهرة، ودرس القانون في وقت كانت فيه الحركة الوطنية تشهد نموًا واضحًا بقيادة مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها وانضم إلى الحزب الوطني.
وبعد التخرج عام 1908، مارس الرافعي المحاماة وعمل لفترة قصيرة في مكتب محمد علي علوبة بأسيوط، قبل أن يلتحق بالصحافة كمحرر في جريدة "اللواء"، لسان حال الحزب الوطني، حيث كوّن علاقات وثيقة مع الزعيم محمد فريد.
عبد الرحمن الرافعي.. والالتزام بالمبادئ الوطنية
شارك الرافعي في أول انتخابات بعد دستور 1923، وفاز بمقعد عن دائرة مركز المنصورة، كما شكل مع زملائه من الحزب الوطني المعارضة البرلمانية، وتولى رئاسة المعارضة، متمسكًا بالمبادئ الوطنية والدفاع عن استقلال مصر.
وكان له موقف صريح من الاحتلال البريطاني، معارضًا لأي مفاوضات لا تحقق الجلاء الكامل، ومستمرًا في الدفاع عن حقوق الشعب المصري ضمن عمله النيابي.
الرافعي وثورة 1919.. مشاركة فاعلة في تاريخ مصر الحديث
لم يقتصر دور الرافعي على البرلمان، بل شارك بفاعلية في ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني، وساهم في العمل السري والجهاز الوطني للثورة، داعيًا إلى تكوين الجمعيات السرية والعلنية لحماية الشعور الوطني، وداعمًا لاستخدام القوة لإجبار المحتل على المغادرة؛ وقد انعكس هذا النشاط لاحقًا على مؤلفاته التاريخية التي تناولت الثورة بشكل مستفيض.
وزارة التموين: خطوة مثيرة للجدل
تولى الرافعي وزارة التموين في حكومة حسين سري سنة 1949، وهو القرار الذي أثار جدلًا بين مؤيد ورافض، وبرر الرافعي دخوله الوزارة برغبته في كشف الممارسات الاستغلالية لشركات السكر والغزل والنسيج، وحماية مصالح الشعب، مؤكدًا أن دوره كان إصلاحيًا بعيدًا عن التنازل عن المبادئ الوطنية، رغم أن بعض زملائه اعتبروه خرقًا لمبادئ الحزب الوطني.
الرافعي والصحافة: صوت الوطنية والدفاع عن مصر
استمر الرافعي في الكتابة الصحفية طوال حياته السياسية، مسلطًا الضوء على قضايا الاحتلال وحقوق الشعب، ومؤكدًا على وحدة مصر والسودان، ومهاجمًا التدخل الأجنبي في الشؤون الوطنية، كما دافع عن الدولة العثمانية ودعم قضايا الأمة الإسلامية في سياق مقاومة الاحتلال الأوروبي، مسجلًا بذلك موقفًا وطنيًا موحدًا بين عمله السياسي وصحافته.
وترك الرافعي إرثًا غنيًا من المؤلفات التاريخية والسياسية التي أصبحت مرجعًا مهمًا لفهم تاريخ مصر الحديث، مثل: "عصر محمد علي"، "عصر إسماعيل"، "ثورة 1919"، و"مصر والسودان"؛ وهذه الأعمال لم تكن مجرد توثيق للأحداث، بل حملت رؤيته الوطنية والسياسية، وساعدت الأجيال على فهم تاريخهم الوطني، وحتى بعد قيام ثورة 1952، أسهم الرافعي في إعداد الدستور وعمل نقيبًا للمحامين، محافظًا على دوره الوطني والفكري في مصر.













0 تعليق