هل تقدم الإنسان في زمن التقدم؟!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 02/ديسمبر/2025 - 02:11 م 12/2/2025 2:11:54 PM

لا يجب أن يتسرع الإنسان في الإجابة عن السؤال، أي سؤال، لا أعني السؤال الذي عنونت به المقال بالذات؛ فالتأني قد يقود إلى رد حكيم واف، وبالنسبة إلى السؤال العنوان فإن الأمر يحتاج إلى قدر كبير من تأمل الواقع، وتأمل الإنسان المتفاعل مع هذا الواقع، والاطلاع على معنى التقدم ودلالته.
يعني التقدم، في الفلسفة والتصوف، تحسنا وترقيا في حال الإنسان على الأرض نتيجة لنمو المعرفة الإنسانية وللنهوض العلمي (راق لي معناه في هذه الدائرة بالبحث عنه في المعاجم اللغوية، وجدته معنى جامعا وتاما).  
حدث النهوض العلمي ونمت المعرفة الإنسانية، لا ريب في الأمر، ولكن بقي الربط بينهما مفقودا؛ والقصد أن المعرفة الإنسانية لم تكن بعمق النهوض العلمي، أو هي كانت معرفة سطحية بخبر النهوض لا بحقيقته، ومن ثم فكأنها لم تكن، يشير إلى ذلك كل ما نقرأه من حوادث وتصرفات سلبية بطلها الإنسان، وكله يؤكد أن نمو المعرفة الإنسانية لم يكن بمستوى النهوض العلمي المذهل الذي جرى، أو ربما كان ردة فعل عكسية حياله، أو تصورا شريرا لموضوعه من الأول للآخر...
عرف الإنسان المواصلات، منذ قديم، وفهم وظيفتها التيسيرية، ثم شهد نهوض مجالها علميا، هذا هو المثال، فكيف عامل تلك المواصلات من أول ما استخدمها إلى اعتياده عليها؟... لنقل واثقين إن المعاملة لم تكن على المستوى المطلوب، وإن الإنسان الذي خدمته المواصلات خدمات جليلة، لا يمكن نسيانها، أساء إليها إساءات متتالية، من أول عدم الاحترام إلى تعمد الإتلاف!
النهوض العلمي قيمة عظمة جدا، وكان الأمل أن ترافقه معرفة إنسانية تساوي عظمته، أخص الإنسان في بلادنا بشكل أساسي، ولكن النهوض، سواء أجرى بأيدينا أو استوردناه، صار من ممتلكاتنا التي لم نحسن استثمارها، بل انقلب علينا ولم يكن معنا.
صناعة الإنسان الواعي المستنير هي الأعظم على الإطلاق، صناعته مهمة التعليم والإعلام والثقافة فيما هو معلوم، ولو كان الثلاثي المشار إليه عندنا بخير لكان الإنسان المصري بخير، إلا أن التعليم ربحي، والإعلام تغييبي، والثقافة ترفيهية؛ فلا تعويل على أية وسيلة لا تعتبر نفسها طوبة فارقة في البناء المنشود.
أنا حزين طبعا، حزين إلى حد الألم والبكاء، وقد كنت أحسب أن الكتابة التي نكتبها والعمل الذي نعمله والكلام الذي نقوله، مما يدور في فلك التغيير الإيجابي الذي نأمله، ويحث الناس على قتل أفكارهم القديمة البالية، واستحداث طرق جديدة توافق الحياة الجديدة، كنت أحسب أن الكتابة الموحية ستنفع، وأن العمل والكلام الملهمين سيجديان، لكنني قابلت كدرا وراء كدر، ولم يصف الحال حتى الساعة.
سأكون متفائلا، وهذا معنى وجودي الفعال، وأتوقع أن الأجيال القادمة سوف تتمرد على الجزء البائس من ميراثها الأبوي، وسوف تتوافق معرفتها الإنسانية مع النهوض العلمي الذي يعاصرها توافقا شموليا صادقا.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق