في السنوات الأخيرة، أصبحت الدراما واحدة من أهم الأدوات التي تساعد الجمهور على فهم تعقيدات النفس البشرية، خصوصًا حين تسلط الضوء على العلاقات السامة، الصدمات القديمة، وجراح الطفولة التي تستمر في تشكيل ملامح العلاقات في الكبر، ويأتي مسلسل "ورد وشيكولاتة" ليقدم تجربة درامية شديدة العمق، لا تكتفي بسرد قصة حب مضطربة، بل تغوص في جذور الخلل النفسي الذي يحكم شخصياته، ويحدد مصائرهم، ويحوّل الحب إلى معركة بين العاطفة والعقل
المسلسل يجمع بين الرومانسية والتشويق والإثارة النفسية، ويأخذ المشاهد إلى عالم يختلط فيه الحب بالخوف، والرغبة بالسيطرة، والاحتياج العاطفي بالانتقام، العلاقة بين "صلاح" و"مروة" تبدو في ظاهرها علاقة حب شديدة التوتر، لكنها في باطنها ساحة صراع بين نمطين نفسيين مختلفين: رجل نرجسي يمارس السيطرة والتلاعب، وامرأة تبدو قوية أمام الجميع لكنها ضعيفة أمام جرح طفولتها.
يشارك في بطولة العمل نخبة من النجوم هم زينة، محمد فراج، مريم الخشت، مراد مكرم، صفاء الطوخي، مها نصار، محمد سليمان، عمرو مهدي، وبسام رجب، وهو من تأليف محمد رجاء وإخراج محمد العدل وإنتاج جمال العدل .
وفي هذه السطور، تضع "الدستور" أبطال المسلسل على “الشازلونج النفسي”، مستعينة بآراء الخبراء والمختصين لتحليل الشخصيات وفك شفرات سلوكياتها.
محمد فراج في دور “صلاح”: الزوج النرجسي… وجه آخر للرجل التوكسيك
يمتلك الفنان محمد فراج قدرة فريدة على تقديم الشخصيات المركبة شديدة التعقيد، التي تتحرك بين الخير والشر، وبين الرقة والقسوة، وبين الحب والسيطرة، وفي مسلسل “ورد وشيكولاتة”، يظهر فراج في واحدة من أكثر شخصياته تركيبا: “صلاح”، الرجل الساحر الذي يظهر في البداية محبًا وحنونًا، قبل أن يكشف عن جانب نرجسي وسلوكيات سامة تهدد شريكته.
كتالوج الزوج التوكسيك – كما يشرحه د. محمد فرويز
يقول الدكتور محمد فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الشخصية النرجسية تقوم في الأساس على حب ذات مرتفع مبالغ فيه، لكنها في الحقيقة شخصية هشة تبني قيمتها على نظرة الآخرين لها، ويوضح أن النرجسي دائمًا يستمد شعوره بالكيان والقوة من ضعف المحيطين به؛ فهو لا يحتمل أن ينافسه أحد أو يساويه، بل ينظر فقط لما يحقق له التفوق الذي يتوهمه.
ويضيف فرويز أن من أبرز سمات الشخصية النرجسية الخداع والمكر وتشويه الحقائق، فهي لا تتردد في ليّ الأحداث أو تزييف الوقائع كي تصل لما تريده، بغضّ النظر عن تأثير ذلك على الآخرين، وقد ظهر هذا النموذج بوضوح داخل المسلسل من خلال طريقة تعامل الشخصية النرجسية مع المحيطين بها.
ويشير إلى أن هذا الإحساس الزائد بالذات يكون في كثير من الأحيان تعويضًا عن نقصٍ جذري تشكّل في مرحلة التربية الأولى، فالنرجسي يضخم نفسه بشكل مبالغ فيه، ويتغذى على المديح، ويحتاج باستمرار إلى الإطراء كي يشعر بالاستقرار الداخلي. هذا الاضطراب في التكوين يجعل حياته وحياة من حوله في حالة توتر دائم، لأن العالم بالنسبة له لا يسير بشكل “مظبوط” إلا إذا ظل في المركز الذي يراه لنفسه.
إن شخصية الزوج التوكسيك قد تبدو في بدايتها جذابة، لكنها مع الوقت تكشف عن سمات سامة تدمر العلاقة العاطفية.
ويوضح فرويز أن أهم سمات هذا النوع من الرجال هى:
تعريف الشخصية النرجسية
كتالوج الرجل التوكسيك كما نراها في المسلسل:
الإحساس بالعظمة وتضخيم الذات
الشخصية النرجسية بتشوف نفسها فوق الكل، مش بس في قدراتها لكن في “استحقاقها” لكل حاجة، وده اللي ظهر في شخصية صلاح اللي كان دايمًا شايف نفسه الأحق والأفضل، حتى من غير ما يمتلك مبررات حقيقية.
الحاجة الدائمة للإعجاب والتصفيق
النرجسي بيعيش على المديح، كأنه وقود نفسي، صلاح كان محتاج طول الوقت يسمع إنه ناجح ومهم، ولما الإعجاب يقل يبدأ يشعر بالتهديد أو النقص.
استغلال الآخرين كأدوات
مفيش عنده منظور إنساني للعلاقات؛ بيشوف الناس وسيلة توصله للي هو عايزه. وده واضح جدًا في طريقة تلاعبه بمشاعر اللي حواليه، واستثماره لضعفهم لصالح احتياجاته.
التقليل الدائم من الشريك والآخرين
من سمات النرجسي إنه يكسر ثقة اللي قدامه بنفسه، سواء بتقليل أو نقد دائم، صلاح كان بيعمل ده لإبراز نفسه أكتر، وكأنه محتاج يطيّح الآخرين عشان يفضل هو في القمة.
الرغبة في السيطرة والتحكم
السيطرة عند النرجسي مش خيار، دي طريقة إدارة حياة، ممكن تكون سيطرة مباشرة، وممكن تكون ضغط نفسي، وإلقاء لوم، وصنع شعور دائم بالذنب عند الطرف الآخر.
الهروب من المسؤولية ولوم الآخرين
النرجسي بيلف ويدور عشان يطلع نفسه ضحية أو بريء، عمره ما بيعترف بخطأ، ودايمًا الخطأ بيبقى على الظروف، على الناس، أو على الشريك.
الانفجار عند غياب التقدير أو الانتقاد
لما ما ياخدش الإعجاب اللي متوقعه، أو لما حد يواجهه بعيوبه، بينقلب غضب، أو إحباط، أو اتهامات، كأنك حرّكت رصاصة في جرح حساس جدًا جواه.
زينة في دور “مروة”: امرأة قوية أمام العالم… وضعيفة أمام جرح الطفولة
يقدم الاستشاري الأسري محمود علام تحليلًا معمّقًا لشخصية «مروة»، تلك المذيعة التي تبدو قوية وصلبة أمام الجمهور، لكنها ما إن تقف أمام صلاح حتى تتحول إلى امرأة مترددة وضعيفة، وتتنازل تدريجيًا عن قوتها التي تصنع بها حضورها العام.
ويؤكد علام أن مروة ليست ضعيفة بطبيعتها، بل تحمل جرحًا قديمًا تكوّن في طفولتها حين كانت شاهدة على عنف والدها تجاه والدتها، ورأت أمًا تبدو قوية أمام الناس لكنها مكسورة في بيتها، فكبرت بين نموذجين متناقضين: قوة ظاهرية وانهيار داخلي.
هذه التجربة المبكرة – بحسب علام – خلقت لديها ما يُعرف في علم النفس بـ«نمط التعلّق القَلِق»، وهو النمط الذي يجعل المرأة متماسكة أمام العالم، لكنها تهتز أمام الرجل الذي يعيد إنتاج ألم الطفولة داخلها، وفي حالة مروة، ظهر صلاح كنسخة حديثة من جرح قديم لم يُشفَ، ولذلك انجذبت إليه رغم العنف النفسي الذي يمارسه عليها، فقد أيقظ داخلها “الطفلة المجروحة” التي لم تحصل يومًا على الاحتواء، ودفعها من دون أن تشعر إلى لعب دور المنقذ الذي يبرر سلوكيات الآخرين ظنًا منها أنها قادرة على إصلاحهم.
ويرى علام أن مروة تميل بطبيعتها إلى إرضاء الجميع على حساب نفسها، وهو ما جعلها أكثر قابلية للانجذاب إلى شخصية مسيطرة مثل صلاح، وبرغم قوتها أمام العالم، فإنها تخسر معركتها الداخلية أمامه، لأنها لا تواجه رجلًا تحبه فقط، بل تواجه صدى جرح قديم يذكّرها بما حاولت نسيانه طوال حياتها، وهكذا تصبح علاقة مروة بصلاح انعكاسًا مباشرًا لذاكرتها المؤلمة أكثر من كونها علاقة حب حقيقية.
صفاء الطوخي في دور “كوثر”: الأم الطماعة التي تصنع نسخة أكثر دهاءً من نفسها
يحلل الدكتور علي عبدالراضي، استشاري الصحة النفسية، شخصية “كوثر” أم البطلة، مؤكدًا أن المسلسل يقدم نموذجًا واقعيًا لفكرة توريث السلوكيات بين الأجيال.
لماذا ورثت البطلة صفات سلبية من والدتها؟
لأن علم نفس النمو يؤكد أن الجيل يرث من الجيل السابق بعض أنماط الشخصية، لكن بصيغة أكثر حداثة ودهاء.
كوثر امرأة طماعة، تدفع ابنتها لاتخاذ قرارات تعتمد على المال والمصلحة، وتتعامل مع الزواج بمنطق “الصفقة”.
الطمع كسمة شخصية
الطمع ليس مجرد رغبة في المال، بل هو:
• شعور دائم بعدم الاكتفاء
• حسد الآخرين
• رغبة في امتلاك كل شيء
• أنانية مفرطة
هذا النوع من الشخصية يجعل التعامل معها مرهقًا، ويعرض المحيطين بها لمشاعر الخوف وعدم الأمان.
تأثير الأم الطماعة على ابنتها (زينة)
التعامل مع أم طماعة يجعل الابنة:
• أقل ثقة في قراراتها
• عرضة للاستغلال
• غير قادرة على رؤية قيمتها الحقيقية
• مترددة بين رغباتها وحسابات أمها
وهو ما يظهر بوضوح في قرارات مروة طوال المسلسل
مريم الخشت في دور “شيرين”: التعلق المرضي… حين يتحول الحب إلى استعباد عاطفي
توضح ريهام أحمد عبدالرحمن، استشاري الإرشاد النفسي والأسري، أن شخصية "شيرين" تقدم واحدة من أهم الحالات النفسية في المسلسل: اضطراب التعلق المرضي.
شيرين امرأة تحب زوجها بدرجة تدفعها للتضحية بكل شيء من أجل إرضائه، حتى لو كان ذلك على حساب نفسها وسعادتها.
ما هو اضطراب التعلق المرضي؟
هو حالة من الاحتياج المفرط لشخص ما، تظهر في:
• الالتصاق العاطفي
• التمسك المرضي بالشريك
• الخوف من الهجر
• فقدان الهوية الذاتية
• قبول الإيذاء النفسي
وهذا يجعل الضحية فريسة سهلة للشخص النرجسي.
لماذا ينجح صلاح في السيطرة على شيرين؟
• لأنها تعاني نقصًا في تقدير الذات
• لأنها حُرمت من الاحتواء العاطفي في طفولتها
• لأنها تخاف الرفض
• لأنها ترى قيمتها من خلال الآخر وليس من داخلها
أساليب النرجسي في السيطرة على ضحية التعلق المرضي
• الظهور في البداية كشريك مثالي
• سحب الاهتمام فجأة لاختبار مستوى التعلق
• استخدام نقاط الضعف
• ممارسة “الأذى الناعم”:
اللوم
النقد
التشكيك بالنفس
التلاعب بالمشاعر
وتظهر شخصية شيرين كصورة صارخة لامرأة تحولت إلى “ظل” الرجل النرجسي.
يقدم العمل أربع شخصيات رئيسية، كل منها تحمل “جرحها الخاص”، ويمثل كل منها فئة واسعة في المجتمع:
• صلاح: النرجسي المتلاعب
• مروة: القوية أمام العالم الضعيفة أمام الجرح
• كوثر: الأم التي تورث الطمع والدهاء
• شيرين: الضحية التي تحب حتى تُدمَّر









0 تعليق