اغتيال الطبطبائي في الضاحية.. إسرائيل تكسر الخطوط الحمر فهل يردّ "حزب الله"؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لا يمكن وضع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت بعد ظهر الأحد في الخانة نفسها مع الخروقات والانتهاكات اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي يقترب من ذكرى مرور عام على توقيعه، ولو أنّه لم يدخل حيّز التنفيذ إسرائيليًا حتى اليوم، ذلك أنّ عملية الاغتيال التي استهدفت من وصفته تل أبيب بـ"رئيس أركان حزب الله"، ومن اكتفى الحزب بتصنيفه "قائدًا جهاديًا كبيرًا"، ذكّرت كثيرين بالضربات الدقيقة التي مهّدت للحرب الأخيرة.

Advertisement

 
بهذه الضربة التي تبدو "مؤلمة"، تتجاوز إسرائيل البعد العسكري البحت إلى توجيه رسالة سياسية مزدوجة، إلى "حزب الله" الملتزم بسياسة "ضبط النفس"، أو ربما "الصبر" منذ عام على الجبهة الجنوبية، ولكن أيضًا إلى الدولة اللبنانية، باعتبار أنّ الاستهداف جاء بعد ساعات فقط على إطلاق الرئيس جوزاف عون مبادرة جديدة للتفاوض على ترتيبات دائمة في الجنوب تحت سقف القرار 1701، الذي قام على أساسه اتفاق وقف إطلاق النار.
 
وفيما يبدو الحراك الدبلوماسي على الخط "مجمَّدًا" بانتظار نضوج المعطيات، مع الانكفاء الأميركي إن صحّ التعبير، منذ الزيارة الأخيرة للموفدة مورغان أورتاغوس، وتصريحات زميلها توم براك الجدلية قبلها، تحدّثت تقارير ميدانية عن نزوح عائلات من الضاحية الجنوبية وعودة "كابوس الحرب" إلى أذهان السكان، حرب يبدو أنّ مؤشرات تحضير إسرائيل لجولة ثانية منها تتزايد يومًا بعد يوم، فهل يكون اغتيال الطبطبائي الخطوة الأولى في هذا المسار؟
 
رسائل إسرائيل.. إسقاط المحرّمات
 
كثيرة هي الرسائل التي تُقرَأ خلف عمليّة اغتيال الطبطبائي الذي وصفته مصادر إسرائيلية بأنه الرجل العسكري الثاني في "حزب الله"، لعلّ أولها يكمن في استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت مجدّدًا، حيث أرادت تل أبيب القول إنّ لا مكان محصَّنًا بعد اليوم، وربما أرادت أن يعيد التاريخ نفسه، فالحرب الأخيرة مثلاً بدأ التمهيد لها بعملية اغتيال المسؤول العسكري في الحزب فؤاد شكر، ما يوحي بأنّ نقاط التشابه كثيرة.
 
وإذا كانت إسرائيل تجاوزت بهذه العملية "الخطوط الحمر" من خلال استهداف الضاحية من دون إنذار مسبق، فإنّها أسقطت برأي كثيرين "المحرّمات"، بعدما كانت قد تجنّبت القيام بعمليات مشابهة في الضاحية الجنوبية منذ اتفاق وقف إطلاق النار، رغم انتهاكاتها اليومية التي بقيت موضعية نوعًا ما، بعكس الاغتيال الذي طال هذه المرّة، "من تولى مسؤولية القيادة العسكرية في المقاومة الإسلامية بعد معركة أولي البأس"، وفق ما جاء في نبذة وزّعها الحزب عنه.
 
وفي وقت قدّم الإعلام الإسرائيلي صورة عن الطبطبائي بوصفه المسؤول عن إعادة ترميم قدرات "حزب الله"، بما يبرّر من وجهة نظره، اغتياله كجزء من "حملة استباقية" لمنع هجمات مستقبلية، لا يمكن القفز فوق توقيت الهجوم، الذي جاء بعد خطاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي كرّر فيه الدعوة إلى التفاوض، وهو ما فُسّر على أنه "ردّ آخر بالنار" من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على كلّ المبادرات والوساطات.
 
حسابات "حزب الله".. هل يردّ؟
 
عمليًا، تقول إسرائيل من خلال ضرب الضاحية إنها ليست في وارد منح المسار السياسي فرصة جدّية، أو على الأقل تريد تحسين شروطها قبل أي تفاوض محتمل، من أجل فرض نزع السلاح "شرطًا" للتفاوض، فإضعاف البنية القيادية لـ"حزب الله" واستهداف "الرجل الثاني" فيه يعطي تل أبيب أوراق قوة إضافية، ويشكّل ضغطًا مباشرًا على الدولة اللبنانية كي تُظهر قدرة أكبر على "ضبط الحزب" تحت طائلة تحمّل بيئته ثمن أي تعثّر في المسار التفاوضي.
 
في المقابل، بدا لافتًا أن بيان "حزب الله" الذي نعى هيثم علي الطبطبائي اكتفى بوصفه "القائد الجهادي الكبير" وعدّد "ساحات الجهاد" التي شارك فيها، من سوريا إلى الجبهات مع إسرائيل، من دون أي إشارة الى الردّ المفترض على العملية كما جرت العادة في مثل هذه الضربات. ويرى العارفون بأدبيّات الحزب في هذا الصمت، أو الغموض المقصود، تكريسًا لسياسة الحذر والصبر التي يعتمدها الحزب منذ عام تقريبًا.
 
لكنّ الحزب يبدو هنا في موقف صعب، وربما محرج، إذ إنّ ما كان ممكنًا تسويغه سابقًا تحت عنوان "الصبر الاستراتيجي" على الخروقات اليومية لاتفاق وقف العمليات العدائية، يصبح اليوم أكثر كلفة على بيئته الحاضنة، بعد اغتيال شخصية بهذا الوزن وفي قلب المعقل الحزبي. وهنا، ثمّة في جمهور الحزب قبل خصومه، من يطرح تساؤلات صريحة حول جدوى الصبر إذا كانت إسرائيل قادرة على ضرب الضاحية متى تشاء، تمامًا كما تفعل مع مناطق أخرى.
 
كان من المفترض أن يمهّد خطاب الرئيس عون في ذكرى الاستقلال ومبادرته بشأن الجنوب لفتح نقاش أوسع حول مستقبل الجبهة الجنوبية في إطار تفاهم دولي–إقليمي، مع رهان على أن يتعامل "حزب الله" مع الطرح بمرونة انسجامًا مع الرغبة العامة بوقف العدوان وإعادة الإعمار. إلا أن اغتيال الطبطبائي، وما قد يستتبعه من ردّ، يهدّدان بفرملة هذا المسار لأجل غير مسمّى، أو على الأقل بإعادة صياغته تحت وقع الدم والاغتيالات بدلًا من لغة المبادرات!
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق