الخميس 20/نوفمبر/2025 - 05:03 م 11/20/2025 5:03:18 PM
لاحظ جميعنا مؤخرًا عودة ظاهرة أطفال الشوارع بعد تراجعها واختفائها نتيجة التحركات الحكومية والمؤسسية القوية. عودتها كظاهرة فى الكثير من المحافظات.. فى إشارة إلى أنها مشكلة حقيقية لم تحل. والسؤال المركزى هو: لماذا عادت تلك الظاهرة رغم جهود وخطط الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 30 يونيو التى طرحتها للوصول إلى شوارع بلا متسولين؟
الأكيد مبدئيًا أن التحول الاقتصادى الحاد الذى لا يزال يضغط على الطبقة المتوسطة والفئات الهشة.. دفع الكثير من العائلات إلى حافة العجز. وفى ظل ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل، أصبح عدد من الأطفال جزءًا من استمرار بقاء أسرهم، حيث يدفعهم العوز إلى الشارع تحت مبررات المساعدة والمساندة. لم تكن عودة هذه الظاهرة.. نتيجة ظرف اقتصادى فقط، بل أيضًا بسبب تفكك بعض الروابط الأسرية، أو هجرة أب الأسرة، أو ضعف دور المدرسة فى الاحتواء، مما جعل الشارع مساحة بديلة رغم خطورته الشديدة.
تظهر الفجوة بين الخطط الحكومية وبين الواقع اليومى فى الشارع. ومن السهل ملاحظة أن الجهود المعلنة سواء من خلال دور الإيواء أو من خلال لجان الرصد، تواجه صعوبات فى التنفيذ نتيجة تراجع التنسيق بين الجهات، ومحدودية الموارد المخصصة لمواجهة هذه الظاهرة، وقصور المتابعة الميدانية المستمرة. هذا التشخيص.. يكشف لنا أن هناك خطط دقيقة، تصطدم بالتعقيدات البيروقراطية العقيمة. فى وقت تتحرك فيه شبكات استغلال الأطفال بسرعة أكبر.
للأسف، يظل العامل الأكثر خطورة فى عودة شبكات التسول المنظم التى تحترف استغلال الأطفال. هذه الشبكات غير المرئية وغير المعروفة، تمتلك اقتصادًا موازيًا.. يعتمد على الأطفال بوصفهم مصدرًا للربح المادي. هذه الشبكات ليست عشوائية، بل هى جزءًا من اقتصاد ظل يتنافس مع جهود الحكومة ويقوضها. ومع غياب رادع كاف، تجذب هذه الشبكات الأطفال لأنها تمنحهم أموالًا سريعة، حتى وإن كان ذلك على حساب حياتهم ومستقبلهم.
يصاحب ذلك، تعقد الصورة بسبب أزمة الثقة بين الأسرة والمؤسسات الحكومية. بعض العائلات تخاف أن يؤدى إيداع طفلهم فى دور الإيواء إلى فقدان حضانته، أو تتردد بسبب الصورة السلبية الاستباقية عن هذه الدور، رغم التطوير الكبير الذى شهدته. هذه الفجوة فى الثقة تجعل كثيرًا من العائلات تفضل بقاء الطفل فى الشارع على أن يدخل منظومة رعاية لا يفهموا آليات عملها.
غياب البدائل الأمنة، جعل تلك الأطفال يجدوا حريتهم فى الشارع، وفى التسول مكسبهم السريع، وفى عصابات الأطفال أيًا كان شكل استغلالهم مكانًا ينتموا إليه. والنتيجة.. صعوبة اقناعهم بالعودة إلى المدرسة غير المهتمة أو المنزل المفكك أو مؤسسة الرعاية التى يشكل فيها من الأصل. وبالتالى، يكون الحل ليس فى استرجاع هؤلاء الأطفال من الشوارع، ولكن بمدى قوة الحكومة فى خلق عالم بديل جديد مؤهل لهم.
مع تراجع الانضباط فى بعض المناطق، تمكنت المجموعات المنظمة لاستغلال الأطفال من ملء الفراغ وإعادة تشغيل شبكات الأطفال. المواجهة هنا ليست أمنية فقط، بل تحتاج تنسيقًا ثلاثيًا من وزارة التضامن الاجتماعى والمجالس الشعبية المحلية ووزارة الداخلية لضمان محاصرة الظاهرة ومشتغليها والمستفيدين منها.
نقطة ومن أول الصبر..
عودة ظاهرة أطفال الشوارع هى جرس إنذار سياسى يحذر من الخلل الذى أصاب شبكة الأمان الاجتماعى، كما تنبه إلى ضرورة إعادة ترتيب أولويات الدولة والمجتمع معًا. المعركة ليست فقط ضد الظاهرة بل ضد منظومة كاملة تنتجها ولا زالت تعيد إنتاجها. والنجاح لن يتحقق إلا حين يصبح الشارع مكانا للعبور، وليس مأوى للأطفال.



















0 تعليق