فجر قرار حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، بتصنيف مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير»، وجماعة الإخوان المسلمين كمنظمتين إرهابيتين، وتحجيم قدرتهما على امتلاك الأراضى، أو التعامل مع مؤسسات الولاية، موجة سياسية غير مسبوقة داخل الولايات المتحدة.
القرار لم يكن خطوة رمزية، كما وصفته بعض المنصات الليبرالية، بل يمثل تحوّلا نوعيًا فى تعامل الولايات مع المنظمات المتهمة بتمرير أجندة الإخوان تحت لافتات «الحقوق المدنية» و«المجتمع الإسلامى».
الأخطر أن القرار أعاد فتح ملفات كيانات ظلت لعقود تعمل بثقة داخل المجتمع الأمريكى، بينما تحيط بها شبهات فكرية وتنظيمية أثارت حفيظة الأجهزة الأمنية ومراكز الأبحاث المحافظة.
فتحت تكساس، بهذا القرار، الباب أمام سؤال صريح: من التالى فى سلسلة الحظر؟ وهل تتحرك ولايات أخرى على النهج نفسه؟.
من بين عشرات المنظمات الإسلامية، تبقى «كير» الأكثر إثارة للجدل والأقرب إلى فكر الجماعة؛ إذ يعد مديرها التنفيذى، نهاد عوض، الفلسطينى الأصل والأمريكى الجنسية، فى نظر خصومه، أحد أبرز الوجوه الدعائية للإخوان داخل الساحة الأمريكية، مستخدما غطاء الدفاع عن حقوق المسلمين لتبرير خطاب سياسى منحاز وراديكالى.
وربطت وثائق محاكمات أمريكية، أبرزها قضايا تمويل لحركة حماس بين تأسيس «كير» وشبكات إخوانية نشطت منذ مطلع التسعينيات، ورغم أن تلك الأدلة ظلت حبيسة الملفات الفيدرالية لسنوات، فإنها قفزت إلى الواجهة مجددًا بعد خطوة تكساس، التى وضعت «كير» رسميًا فى خانة التنظيمات التى تشكل تهديدًا للأمن القومى.
وإذا كان قرار تكساس هو بداية المعركة، فإن الكيانات التى تترقب ضربات قادمة كثيرة، وعلى رأسها الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية «ISNA» والجمعية الإسلامية الأمريكية «MAS».
وتُعد الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية «إسنا» الأقدم والأضخم، ولا يمكن فصل تاريخها عن الجماعة؛ إذ تأسست على أيدى أعضاء من الإخوان منذ ستينيات القرن الماضى، ووضعت فى وثائق وزارة العدل الأمريكية عبر قضية «هولاند بارك» عام 2007، ضمن قائمة الكيانات المرتبطة بشبكات تمويلية لحماس والإخوان.
ورغم محاولة «إسنا» خلال العقدين الماضيين تقديم نفسها كذبًا كمنصة معتدلة، فإن جذورها الإخوانية لا تزال تطاردها، خاصة مع اتساع التحقيقات حول التمويل الخارجى والدور الإيرانى فى دعم بعض الأنشطة الدعوية والسياسية داخل الولايات المتحدة.
أما «ماس» فقد ولدت عام 1992 من رحم رابطة الطلاب المسلمين «MSA»، الذراع الطلابية والفكرية للإخوان داخل الجامعات الأمريكية منذ 1963، وبينما تعمل MAS بخطاب أكثر اندماجًا داخل المجتمع الأمريكى، فإنها تعد إحدى أهم الأذرع التنظيمية للجماعة داخل المجتمع المدنى الإسلامى، ما يعزز فرضية أن تكون «ماس» الهدف التالى بعد «كير»، وربما تدرج خلال الفترة المقبلة ضمن قوائم الولايات أو فى مرحلة لاحقة ضمن قوائم المراقبة الفيدرالية.
واتسعت دائرة الشك فى السنوات الأخيرة داخل الولايات المتحدة لتشمل كيانات أخرى، أبرزها الصندوق الإسلامى لأمريكا الشمالية، الذى يدير عقارات ومساجد وورد اسمه فى قضايا تمويل مرتبطة بجماعات إخوانية، والمعهد العالمى للفكر الإسلامى، الذى تأسس فى الثمانينيات على يد رموز إخوانية، ويتهم بالترويج لخطاب إسلاموى أكاديمى مؤدلج.
ما يثير الريبة حول هذه المنظمات وجود تقاطعات مالية وسياسية بين بعض هذه المنظمات ولوبيات إيرانية، ما يشكل تهديدًا إضافيًا، ويضاعف احتمالات اتخاذ خطوات أشد ضدها.
ورغم أن قرار تكساس لا يصل إلى مرتبة التصنيف الفيدرالى الذى يفرض عقوبات جنائية ومالية مشددة، فإنه يظهر كيف تستطيع الولايات استخدام سلطاتها التشريعية لفرض قيود عملية مؤثرة، مثل حظر شراء أو امتلاك أراضٍ، وتعطيل التراخيص والعقود الحكومية، وتشديد رقابة تسجيل الجمعيات الخيرية، وزيادة الضغط المصرفى على حسابات تلك المنظمات.
ورغم قرار حاكم تكساس الذى صدر اليوم بحظر أنشطة كير وجماعة الإخوان، فإن السلطات الأمريكية تخشى أن تواجه هذه الإجراءات بدعاوى أمام المحاكم الفيدرالية، لكن التجربة تؤكد أن مجرد إدراج منظمة ضمن لوائح الإرهاب المحلية يكفى لإحداث شلل مالى وتنظيمى يصعب معالجته.
ومع عودة النقاش داخل الكونجرس الأمريكى حول مشروع القانون الذى قدمه السيناتور الجمهورى تيد كروز فى يوليو الماضى لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابى على المستوى الفيدرالى، فإن جماعة الإخوان اقتربت من حظر كامل داخل الولايات المتحدة بعدما أصبحت تحت مجهر الكونجرس، ورغم أن المشروع ظل لسنوات يواجه عقبات سياسية، فإن قرار تكساس أعاد إحياءه ومنحه زخمًا جديدًا، ولذلك فإن أى خطوة فى هذا الاتجاه ستجعل «إسنا» و«ماس» و«كير» وسواها فى مرمى عقوبات قاسية، وربما تكون بداية تفكيك فعلى لشبكات الجماعة داخل الولايات المتحدة.
تكشف التحولات الأخيرة أن زمن الحماية التى تمتعت بها منظمات الإخوان داخل أمريكا يقترب من نهايته؛ فبين وثائق تاريخية، وشبهات تمويل خارجى، وخطاب دينى سياسى متطرف، لم يعد بالإمكان تجاهل الأدوار الحقيقية لتلك الكيانات.
وبينما تتصاعد الضغوط داخل الولايات وفى الكونجرس معًا، يبدو أن السؤال لم يعد «هل» سيصدر قرار فيدرالى شامل، بل «متى» سيصدر، ليضع نهاية واضحة لنفوذ الإخوان داخل الولايات المتحدة.













0 تعليق