قال الدكتور سلامة جمعة داوود، رئيس جامعة الأزهر، إن الإيمان ليس مجرد كلمات تنطق أو طقوس تؤدى؛ بل منظومة سلوكية متكاملة وأخلاق تمارس في الحياة، وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وأضاف داوود، خلال كلمته في ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة، الذي عقد تحت عنوان: "دور العقيدة في بناء الإنسان"، أن هذه الأخلاق الكريمة ليست إلا ثمرة يغرسها الإيمان الراسخ في نفس المؤمن، فالقرآن الكريم مليء بالتوجيهات التي تحث المسلم على حسن التعامل والتجمل بمكارم الأخلاق، ولو تأملنا في الآيات الأولى من سورة البقرة: "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب"، لتبين لنا أن الإيمان بالغيب هو الركيزة الأساسية والباعث الجوهري الذي يدفع المؤمن للتحلي بمكارم الأخلاق والاهتداء بسلوكه وأفعاله في كل حين، فالعقيدة الصحيحة مبناها هذا الإيمان بمرجعية غيبية؛ ولذلك لكي تظل صلة الإنسان قوية ومستدامة بالله -سبحانه وتعالى- يجب أن يكون متجسدا لهذه الأخلاق الفاضلة في واقعه العملي، لتكون الأخلاق دليلًا على صدق إيمانه.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن العقيدة الراسخة هي الأصل الثابت لليقين الذي يستقر في القلب، ولا يتطرق إليه الشك أو التزعزع؛ فلو اجتمعت قوى الدنيا بأسرها لما استطاعت أن تزحزح هذا اليقين من قلب المؤمن.
وأشار إلى أن بناء الإنسان الحقيقي يعتمد على محورين متوازيين لا ينفصلان: بناء الجسد، وبناء الروح، وقد تكفل المولى -عز وجل- ببيان هذين البنائين في مطلع سورة الرحمن، حيث قال تعالى: "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان"، جاعلًا تعليم القرآن (بناء الروح) مقدمًا على خلق الإنسان (بناء الجسد)؛ دلالة على أهمية الجانب الروحي كأصل للحياة المستقيمة، فالإيمان هو النور الحقيقي الذي يحيى به الإنسان ويضيء مساره، كما وصفه تعالى: "أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس"، وقد فسر العلماء النور هنا بالهداية الإلهية التي تنقل المؤمن من موت الغفلة إلى حياة اليقين؛ لذلك من الواجب على المؤمن أن يديم شكر المولى على نعمة الهداية للإيمان؛ لأن الإيمان حقا هو سبب الحياة الروحية والنور الذي لا ينطفئ.
الأصل في بناء الإنسان هو تحقيق السكينة النفسية
وأضاف الدكتور "سلامة داوود"، أن الأصل في بناء الإنسان هو تحقيق السكينة النفسية والاطمئنان الداخلي الثابت، بعيدًا عن أعراض الاكتئاب والتوترات النفسية المعاصرة التي يعاني منها بعض الشباب اليوم، ويرجع سبب هذه الاضطرابات إلى ضعف الصلة بالله -سبحانه وتعالى- فلو وثق الإنسان صلته بربه حقًّا، وتحقّق لديه اليقين الصادق، لما خاف إلا الله ولما ضره شيء أبدًا في الدنيا والآخرة؛ لأن الإيمان يمثل نجاة وفوزًا عظيمًا.
وأكد رئيس الجامعة، أن الاقتراب من ساحة القرآن الكريم هو الملاذ الذي يوفر الحل لكل معضلة ويزرع الأمن التام في القلب؛ فالمؤمن لا يخاف ولا يخشى سواه سبحانه؛ مصداقًا لقوله تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وهذه الآية تفسر بوضوح كيفية تحقيق هذه الطمأنينة الروحية العميقة.















0 تعليق