صدمة البراءة وجرائم الجمباز

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 لقد وقع إحباط بشع لأبطال الجمباز الصغار وذويهم أمام جرائم التزوير فى نتائج بطولة الجمهورية التى تمت مؤخرًا. والمعروف أن البطولة تعد تتويجًا لشهور كاملة من التدريب الشاق، والأحلام الوردية التى ينسجها الأطفال الرياضيون الصغار، بدعم لا محدود من أسرهم. وهى ليست مجرد منافسة رياضية، بل هى رحلة صقل للشخصية وتعليم لأهمية الانضباط والجهد. 

ولكن فى البطولة الأخيرة تحولت هذه الأحلام إلى صدمة جماعية وإحباط عميق، حينما اصطدمت براءة الأطفال ونضال أولياء الأمور بالتزوير الفاضح فى النتائج. 

والجمباز لعبة رياضية تعتمد على الدقة المتناهية والتقييم الموضوعى، فكل حركة وكل وقوف وكل هبوط يخضع لمعايير صارمة تحدد الدرجة. والأطفال المشاركون، الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم سنوات قليلة، يدركون بالفطرة وبمتابعة مدربيهم مستوى أدائهم. وعندما يقدم طفل أداء شبه مثالى، وينتظر النتيجة بفارغ الصبر، ليجد درجته أقل بكثير من المتوقع بينما يحصل آخرون على درجات مرتفعة رغم أخطاء واضحة، كما حدث مع ابنة وزير البترول مؤخرًا، هنا تبدأ علامات الاستفهام تتحول إلى يقين مرير، والأثر النفسى على هؤلاء الصغار كارثى فبدلًا من أن يتعلموا أن الرياضة مكسب وخسارة، تعلموا أن «الجهد والاحترافية لا قيمة لهما أمام المحسوبية أو التلاعب».

هذه التجربة لا تقتل فقط حلم الفوز، بل تقتل أهم شىء فى الرياضة، وهو الثقة فى عدالة المنافسة. كيف يمكن لطفل أن يواصل التدريب لساعات يوميًا وهو يعلم أن مصيره قد حُسم مسبقًا على طاولة التقييم، وليس على بساط الأداء. 

وأولياء الأمور هم شريك أصيل فى هذه المأساة، فهم من يتحملون التكاليف الباهظة للتدريب، والأهم من ذلك هم من يضحون بوقتهم وطاقتهم فى مرافقة أطفالهم، وهم يرون بأعينهم التزام أطفالهم وجديتهم، ولذلك عندما يشاهدون التلاعب والفساد يكون غضبهم أشد وأعمق. والغضب ليس فقط بسبب ضياع الميدالية، بل لأنه يتعلق بترسيخ قيم سلبية فى نفوس الأطفال.

والسؤال الذى يؤرقهم: ماذا نخبر أطفالنا؟ هل نقول لهم إن هذا هو الواقع المرير فى اتحاد الجمباز وعليهم تقبله؟ أم نقف مكتوفى الأيدى أمام الظلم؟

إن رد الفعل الجماعى لأولياء الأمور تمثل فى احتجاجات وصرخات استنكار وتوثيق للأخطاء الواضحة فى التقييم، ولم يكن سعيًا للمطالبة بميداليات فحسب، بل كان صرخة دفاع عن مبدأ العدالة وشفافية العملية الرياضية. لقد رأوا التزوير فادحًا، بمعنى أنه كان واضحًا للعيان، لا يحتاج إلى خبير للتدليل عليه، ما زاد من الإحساس بالإهانة والحزن. 

إن ما حدث يتجاوز مشكلة بطولة واحدة، إنه يضرب فى صميم البنية التحتية للرياضة المصرية. عندما تتسرب مثل هذه المصائب إلى رياضة مثل الجمباز، التى يتوقع منها أن تكون مصدرًا للأبطال الأوليمبيين فى المستقبل، فإننا نرتكب خطيئة فى حق الأجيال القادمة.

والتزوير والتلاعب فى نتائج الجمباز له عدة تداعيات خطيرة، تبدأ بهجرة المواهب، خاصة لمن يمتلك آباؤهم القدرة المادية ما يجعلهم يفكرون جديًا فى سحب أطفالهم من المنظومة الرياضية المحلية والسفر للخارج بحثًا عن بيئة أكثر عدلًا.

وفقدان الثقة فى لجان التحكيم يعنى فقدان الدافع لمواصلة التدريب الشاق. لماذا يتعب الطفل وهو يعلم أن الفائز سيحدد بأيادى اتحاد الجمباز الفاسد؟

والكارثة أن الاتحاد يشوه صورته فى عيون الشارع الرياضى والرأى العام، ويضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة أعضائه ولجانه الفنية. والحاجة باتت ضرورية إلى مراجعة شاملة وشفافية مطلقة لمعالجة هذا الإحباط الشديد. ولا يكفى مجرد إصدار بيانات إنكار أو وعود مبهمة. يجب أن تكون هناك مراجعة شاملة وفورية لآلية التحكيم فى الجمباز. وعلى الاتحاد تحمل مسئوليته، وأن يثبت التزامه بالنزاهة من خلال الشفافية الكاملة. ولا بد من مساءلة المقصرين، وتطبيق أقصى العقوبات على الحكام أو الإداريين المتورطين، ليكونوا عبرة للجميع.

إن أطفال الجمباز الصغار يستحقون أن يتعلموا أن الرياضة هى انعكاس للعدل والأخلاق قبل أن تكون ميداليات. ومن واجب المنظومة الرياضية أن تحمى براءتهم وتحافظ على أحلامهم، وإلا فإننا نخسر أبطال المستقبل ونربى جيلًا يشكك فى أهمية الجهد والنزاهة.

إن ترميم الثقة المكسورة هو التحدى الأكبر للرياضة المصرية الآن. وهذا هو واجب الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، الذى أعلم جيدًا أنه على دراية كاملة بكل فساد اتحاد الجمباز وغيره، ويقف متفرجًا على هذا الفساد الخطير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق