بالإعراب عن فخرها بدعم إسرائيل «التى وُلدت من تلك الرسالة»، أحيت تيريزا ماى، سنة ٢٠١٧، الذكرى المئوية لرسالة آرثر بلفور التى منحت بها بريطانيا ما لا تملك لمن لا يستحق. وردًا على المطالبات الفلسطينية المتكررة بالاعتذار عن هذه الجريمة التاريخية، قالت ماى، التى كانت ترأس الحكومة البريطانية فى ذلك الوقت: إذا كانت رسالة قد بنت أمة أو دولة، فإن الاعتذار عنها يعنى إزالة هذه الأمة ودولتها.
الأحد الماضى، ٢ نوفمبر، حلت الذكرى السنوية الـ١٠٨ لصدور ما صار معروفًا بـ«وعد بلفور»، أو تلك الرسالة، التى وجهها وزير الخارجية البريطانى الأسبق، إلى ليونيل وولتر دى روتشيلد، ممثل الجالية اليهودية هناك، أحد زعماء الحركة الصهيونية: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومىّ للشعب اليهودىّ فى فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر».
تلك هى الرسالة، التى وصفتها تيريزا ماى، فى ديسمبر ٢٠١٦، بأنها «واحدة من أهم الرسائل فى التاريخ» لأنها، حسب قولها، أو وفق زعمها، «تظهر الدور الحيوى، الذى قامت به بريطانيا فى إقامة وطن للشعب اليهودى». وفى يوليو التالى، أعلن وزير الخارجية الفلسطينى، عن اعتزام السلطة الفلسطينية، محاكمة بريطانيا، بسبب إصدار «وعد بلفور». ثم مر يوليو وأغسطس و... و... وكان التصور، الذى طرحه الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى سبتمبر ٢٠١٧، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتصحيح تلك الكارثة التاريخية، هو اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، وهو ما حدث بالفعل منذ أقل من شهرين!
فى تلك السنة، سنة ٢٠١٧، احتفلت بريطانيا بمئوية الرسالة، أو الوعد، دون أن تلتفت إلى أن بنيامين نتنياهو الذى جلس إلى جوار تيريزا ماى فى ذلك الاحتفال، اعتاد أن يحتفل مع الأعضاء السابقين فى عصابة الأرجون، بذكرى تفجير فندق الملك داوود، مقر حكومة الانتداب البريطانى، الذى راح ضحيته عدد من كبار الضباط البريطانيين والعاملين بالإدارة العسكرية. ولأن الإرهابى مناحيم بيجين، كان يرأس تلك العصابة، «عصابة الأرجون»، فى ذلك الوقت، وكان مسئولًا بصفة شخصيّة عن تلك العملية، قامت الحكومة البريطانية بتوزيع منشورات، فى يوليو ١٩٤٦، بعد التفجيرات مباشرة، تحمل اسمه وصورته، تعلن فيها عن جائزة ضخمة لمن يساعد فى إلقاء القبض على ذلك الإرهابى المطلوب للعدالة.
مع ذلك، حين صار بيجين رئيسًا لوزراء ذلك الكيان، اضطرت مارجريت تاتشر، التى لم تخف كراهيتها له، إلى التعامل معه بحفاوة، طوال فترة رئاستها الأولى للحكومة البريطانية، منذ ١٩٧٩ إلى ١٩٨٣، ولم تمنعها تلك الكراهية، من الحفاظ على علاقات بريطانيا الوديّة، التقليدية، بالإسرائيليين، أو وصفها لهم بأنهم أقاموا واحة للديمقراطية وقلعة متقدمة للغرب فى قلب الشرق الأوتوقراطى. كما كانت زيارتها إسرائيل، سنة ١٩٨٦، هى أول زيارة لرئيس وزراء بريطانى، ما جعلها حدثًا مهمًا للجانبين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن بلفور الذى كان سنة ١٩١٧، وزيرًا لخارجية بريطانيا، كان رئيسًا لمجلس اللوردات، سنة ١٩٢٨، حين أسست المملكة جماعة الإخوان، لخلق جيل جديد من العملاء، تضمن بهم الحفاظ على نفوذها، وتوفير بديل لأى تحديات تشهدها الساحة السياسية، وهذا بالفعل هو ما حققته الجماعة الضالة، التى صارت أداة تستخدمها بريطانيا، لإثارة الفوضى فى المنطقة، وفى إقامة قاعدة استعمارية على أرض فلسطين، لتكون فاصلًا جغرافيًا يقطع اتصال الأراضى العربية. وقد تكون الإشارة مهمة، كذلك، إلى أن الجماعة دعمت المشروع الصهيونى، لاحقًا، بتفجيرها ممتلكات اليهود فى مصر ما دفع كثيرين منهم إلى الهجرة، وتأكيد مزاعم الحركة الصهيونية، فى إطار سعيها لتحويل الديانة إلى قومية وتصوير الأمر للعالم بأن هناك حاجة ماسة إلى دولة لليهود طالما أنهم يتعرضون للاضطهاد والملاحقة.













0 تعليق