تاريخ الرقص في مصر.. من طقوس الخصوبة إلى لغة الجسد والهوية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ أن خط الإنسان الأول ظله على جدار الكهف، كان الرقص أحد الأدوات الأولى للتعبير عن الفرح والخوف، الانتصار والفقد، والبحث عن المعنى في عالم غامض لا تبوح أسراره بسهولة، ومنذ ذلك الحين، ظل الجسد الراقص شاهدًا على تحولات الحضارات، ومراياها التي تعكس قلقها وأحلامها وأوهامها أيضًا.

وفي مصر، حيث وُلدت أولى الرقصات الطقسية على ضفاف النيل، ظل الرقص جزءًا من نسيج الحياة اليومية والاحتفال بدءًا من الميلاد وصولاً إلى الموت، ومع الزمن، تداخلت هذه التعبيرات الجسدية مع الدين والسياسة والفن، لتتحول إلى خطاب ثقافي معقد تتنازعه القداسة تارةً والرقابة تارة أخرى، وفي التقرير التالي نتعرف على تاريخ الرقص في مصر .

d4df6f6401.jpg

من جهتها، قالت الكاتبة والباحثة شذى يحيى: تاريخ الرقص في مصر والعالم يعود لفجر الإنسانية فالتعبير الحركي كان أحد أهم الوسائل التي سعى من خلالها الإنسان للتواصل مع محيطه ومجاله كان هناك رقصات لدفع الشر واستجلاب الخير والاحتفال بالخصوبة والإنجاب وللحرب والصيد وجني المحصول بعد نشأة المجتمعات الزراعية. 

ومصر كواحدة من أهم الحضارات المؤسسة عرفت أنواع كثيرة من الرقص الطقسي والاحتفالي واستمرت هذه الأشكال مع اختلاف الأداءات والأغراض حتى العصر الحديث.

 ارتبط مفهوم الرقص المصري بقدوم الحملة الفرنسية

وتابعت صاحبة كتاب "الإمبريالية والهشك بشك.. تاريخ الرقص الشرقي" في العصر الحديث ارتبط مفهوم الرقص المصرى بقدوم الحملة الفرنسية لمصر، مصر كانت الشرق بالنسبة للفرنسيين والغوازى وهن راقصات الشوارع شكلن أغلب النساء اللاتى احتك بهن جنود الحملة أثناء وجودهم في مصر وبعد هزيمة الحملة كان أول قرار رقابي صدر في تاريخ مصر الحديثة هو قرار الوالي محمد على بمنع رقص النساء في القاهرة ونفى الغوازى والعوالم إلى ما وراء اسنا، هذا القرار استمر لأعوام طويلة ليشعل ولع الأجانب براقصات هز البطن أو الراقصات الشرقيات ويربط الرقص في المخيلة الغربية بالتهتك والمجون ليتصوروا أن الشرق كله يمكن تلخيصه في صورة الراقصة اللعوب.

وأكدت يحيي، أن الرقص كان مهنة محتقرة لكن لم يخلو افتتاح قناة السويس من راقصات، ظلت النظرة للراقصات محتقرة لكن نسجت أساطير عن راقصات مثل شفيقة القبطية وجليلة أم الركب تشعل الأذهان وظلت الراقصة حاضرة في الأفراح والموالد وحفلات الطهور والمناسبات.

ظهور الراقصات الشرقيات المتعلمات من نعمت مختار إلى سامية جمال 

وتابعت يحيي، مع ظهور الصحف ونشأة السينما وقيام الحربين العالميتين الأولى والثانية ظهر نوع من الراقصات الشرقيات المتعلمات والملمات بالموضة وخطوات الرقص الشرقى والتمثيل ووصلت بعضهن لدرجة تبنى اراء سياسية مثل نعمت مختار وتمثيل مصر فى مناسبات دولية مثل نعيمة عاكف فى ملتقى شباب العالم، وتحية كاريوكا فى أكثر من محفل دولى ووصلت بعضهن لأدوار مهمة فى افلام أوربية وأمريكية مثل سامية جمال.

نجلاء حسن 
نجلاء حسن 

نجلاء حسن: الرقص ذاكرة الإنسان الأولى ولغته الخفية

قالت الشاعرة وباحثة الأنثروبولوجيا الثقافية نجلاء حسن، إن الرقص منذ فجر التاريخ، منذ عصر الغابة وحتى العصر الحديث، ارتبط بالطقوس والممارسات التي صاحبت حياة الإنسان، مشيرةً إلى أن الإنسان الأول نقش رقصاته على جدران الكهوف والمعابد، معبرًا بها عن حالاته النفسية والوجدانية المختلفة، من استعدادٍ للقتال إلى الفرح والحزن والقلق والألم.

وأضافت حسن، أن الدراسات العلمية الحديثة أظهرت أن المناطق الحركية في الدماغ تتوهج أثناء ممارسة الرقص، وهو ما يفسّر وجود ارتباط وثيق بين المناطق السمعية والحركية في الدماغ، ومن ثمّ، فالرقص، بطبيعته، ارتبط بالموسيقى والإيقاع، واختزل معهما رسائل ذهنية وفلسفية وتعبيرات وجدانية متنوعة.

وأشارت الباحثة إلى أن للرقص أنواعًا شتى، من بينها تلك التي تؤدى خلال الاحتفالات الدينية كرقصات رمزية تعبيرية تُقدَّم تقرّبًا من الآلهة أو طلبًا لمباركتها، كما هو الحال في الرقص الصوفي الذي تجسده المولوية نموذجًا راقيًا للروحانية والحركة الرمزية.

وترى حسن أن الرقص يمكن تعريفه بأنه سلوك إنساني يتشكل من مجموعة متوالية من الحركات والإيقاعات غير اللفظية الهادفة، موضحةً أنه يعتمد على انتظام الإيقاع وتتابع الحركات في نسق فني مغاير للأنشطة الجسدية العادية، وله قيم جمالية ودلالات رمزية عميقة تتصل بالزمان والمكان والجهد الإنساني المبذول. فالرقص – كما تؤكد – نشاط عضوي ووجداني معقد، مؤطر ثقافيًا، ومنمط اجتماعيًا.

وتستند الباحثة في رؤيتها إلى ما طرحته الباحثة الأمريكية جيرترود كيراث (Gertrude Kurath)، إحدى رائدات التحليل الأنثروبولوجي للرقص، والتي وضعت مصطلح علم الرقص (Choreology) عام 1960، في إشارة إلى الدراسة العلمية للرقص ضمن علم الأنثروبولوجيا، بوصفه ظاهرة ثقافية واجتماعية معقدة. فوفقًا لهذا المنظور، لا يُعد الرقص مجرد فن بصري، بل وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية، وسرد للقصص والقيم والمعتقدات الجماعية.

وتوضح نجلاء حسن أن الرقص يُنظر إليه بوصفه نصًا اجتماعيًا يعكس العلاقات والاختلافات الطبقية داخل المجتمع، كما يعمل كشكل من أشكال التواصل غير اللفظي الذي يعيد إنتاج الهياكل الاجتماعية والسياسية أو يعارضها.

وتضيف الباحثة أن الرقص «يمثل حركات منتظمة ذات مقاصد ومعانٍ إنسانية واعية»، وهو في جوهره خطاب غير لفظي، وتجسيد مرئي لقضايا وقيم ومضامين اجتماعية ورمزية، يتم فهمها ضمن البناء الثقافي والسياق التاريخي للمجتمع. وتشير هنا إلى ما ورد في كتاب جون بلاكينج (Movement and Meaning: Dance Anthropology)، الذي يرى فيه أن الرقص هو وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية للفرد والجماعة، وتجسيد للقيم والعادات والتقاليد، بل وأداة للتواصل في المجتمعات البدائية وتعبير عن الذات في المجتمعات الحديثة.

وترى حسن، أن دراسات الرقص كظاهرة اجتماعية وثقافية تُظهر كيف يجسد هذا الفن هوية المجتمع وقيمه، بل وتعبيرًا عن مقاومته الناعمة للضغوط الخارجية التي تستهدف طمس هويته. فكما يشير أندرو إدجار وبيتر سيدجويك (2009: 264)، فإن الصور الجمالية – كالرقص – قد تجسد القلق الإنساني والطموحات والآمال والآلام والقيم.

ومن جهة أخرى، تؤكد الباحثة أن الرقص، بوصفه مظهرًا من مظاهر الثقافة المحلية، يشكل تحديًا حقيقيًا أمام ضغوط الحداثة والعولمة التي تسعى – بلا هوادة – إلى تدمير الثقافة المحلية لصالح ثقافة كونية واحدة، تمحو الخصوصيات وتُفرغ الواقع من مضامينه الإنسانية والأخلاقية.

التحطيب نموذجًا مصريًا أصيلًا

وتوضح نجلاء حسن، أن فن التحطيب – أو الرقص بالعصا – في مصر يمثل نموذجًا واضحًا لتجذر الرقص في الهوية الثقافية المحلية، إذ تعود جذوره إلى مصر القديمة، وقد سُجل في اليونسكو كأحد عناصر التراث الثقافي اللامادي. وتشير إلى أن التحطيب كان في الأصل أحد أشكال الفنون القتالية التي ظهرت على نقوش المعابد الفرعونية، مثل معابد دندرة والأقصر، ثم توارثته الأجيال حتى صار فنًا شعبيًا يعشقه أبناء الصعيد.

وتضيف أن التحطيب يُمارس اليوم بوصفه لعبة احتفالية رمزية، تُقدَّم أمام جمهور من المشاهدين على أنغام الموسيقى الشعبية، حيث يتبارز الرجال – بعصي طويلة – في عروض غير عنيفة، تُجسد قيم الشجاعة والمروءة والاحترام المتبادل. وتتابع موضحةً أن هذه اللعبة تؤدى في بيئة صعيدية يغلب عليها الطابع الجماعي، وتُورّث فنونها في العائلات والمجتمعات المحلية.

فرقة رضا للفنون الشعبية 

وحصل الفنان محمود رضا بتصريح من الأديب يحي حقي رئيس مصلحة الفنون، حتى اكتملت فرقته، ليشارك في بطولة أوبريت "ياليل يا عين"  الذي أنتجته وزارة الثقافة، شارك فيه أسماء معروفة مثل نعيمة عاكف والمغنية شهرزاد والمغني كارم محمود عبد الحليم نويرة والمخرج زكي طليمات.،وقام محمود رضا بدور البطولة فيه وصمم الأوبريت الذي جمع فيه العديد من الرقصات المختلفة التي تظهر أكثر العادات والتقاليد شهرة فى مصر.

وكانت هناك العديد من المصاعب التي يواجهها اولها هو كيف يمكن له تكوين فرقة للرقص، وخاصة ان كلمة رقص نفسها كانت مرفوضة اجتماعيا، وكان اسئلة كثيرة تدور في ذهن محمود رضا  طرحها عبر كتاب"معبد الرقص"،1968والتي  منها كلمة الرقص نفسها،يروى  جرجس شكري عبر مقاله الذي جاء بعنوان "تأميم فرقة رضا  وتراجع الرقص الشرقي " فبعد عودته من باريس لتكوين فرقة للرقص الشعبى سأل نفسه: "من هم الشبان والشابات الذين تسمح لهم عائلاتهم باحتراف الرقص؟ ألا يقال إنه لا تقبل شهادة طبال أو زمار أو راقص؟ أليست النوادى الليلة والكباريهات هى المكان الوحيد الذى يقدم الرقص إلى جمهور لا ينشد إلا المتعة واللهو الرخيص؟!......... لم تكن هذه مجرد أسئلة بل حواجز ومتاريس فى طريق الرقص الشعبى الذى يسعى إلى تحقيقه، ولأنه كان خائفًا ويعرف العقلية فى تلك الفترة تردد كثيرا رغم الحماس.

ويشير شكري، إلى أن إرادة محمود رضا حديدية، فرغم البيئة غير المشجعة لاستقبال هذا الفن فإنه نجح فى تكوين الفرقة "فرقة رضا للفنون الشعبية"، ثم كانت المشكلة الأعمق وهى الرقص الشعبى: من أين يأتى بالمادة التى يستلهم منها لوحاته الراقصة؟ وحين اقترح أحدهم الاعتكاف داخل المسرح وتصميم اللوحات وجد محمود رضا أنها فكرة عقيمة، وصمم على السفر إلى محافظات مصر لجمع هذه المادة من مصادرها الأصلية ليكون الناتج مبهرا ومدهشا، وتقدم الفرقة على مدى سنوات طويلة مادة فنية ولوحات راقصة لم يسبق للجمهور المصرى أن شاهدها من قبل، وذهب إلى القرى والنجوع والواحات وشاهد وسجل الفلكلور المصرى، وعاد ليضعه فى صورة لوحات راقصة على خشبة المسرح، لتقدم الفرقة أكثر من ستين لوحة راقصة من الفن الشعبى المصرى جسدت التراث المصرى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق