قالت الكاتبة الروائية هبة عبد العليم: أفكر في تمثال رمسيس ومجموعة توت عنخ آمون، كأن ظهورهما من جديد سيعيد ضبط البوصلة التي تحكم تحركاتي في المدينة. بوصلة تعرف طريقها دائمًا نحو تبة الأهرام، حيث يقف المتحف المصري الكبير شامخًا، في انتظار لحظة الافتتاح التي ينتظرها العالم كله.
وأضافت في حديثها للدستور: “أحاول الانتهاء من أعمالي قبل غدا السبت لأتفرغ لمتابعة الاحتفال. انتظرت هذه اللحظة منذ نقل تمثال رمسيس في عام 2006، ويزيد حماسي ما علمته عن المقطوعات الموسيقية التي ألّفها هشام نزيه خصيصًا للمناسبة. كأنها بمهابتها ستمنح الحدث عمقًا أكبر وألقًا أشد”.
وتتابع عبد العليم: “ربما لن أزور المتحف الجديد كثيرًا، لبعد موقعه عن قلب القاهرة، لكنني أعرف أنني، بمجرد انتهاء مواسم الافتتاح الرسمية، سأكون أول من يقف على بواباته. أريد أن أستعيد علاقتي بكل قطعة أثرية شكلت جزءًا من ذاكرتي، ومن تاريخي الشخصي مع المتحف المصري. كأنني أمد جذوري في عمق الأرض، لأصل إلى آبائي وأجدادي الأوائل، في امتداد نادر ومبهر، ربما لم يحظ به شعب في العالم مثلما حظي المصريون”.
وواصلت: “قاهرتي تبدأ من ميدان رمسيس وتنتهي عند ميدان التحرير. بين التمثال والمتحف كانت تدور حركتي اليومية في المدينة. أذكر يومًا من أغسطس عام 2006، حين نقل تمثال رمسيس من موقعه الذي استقر فيه منذ عام 1955 إلى ميت رهينة تمهيدًا لوصوله إلى المتحف الكبير. في ذلك اليوم طلبت إجازة من عملي، وحملت كاميرتي الصغيرة لألتقط صورًا بعيدة مشوشة، كأنها توديع أخير. شعرت حينها أنني فقدت البوصلة التي تربطني بقلب القاهرة”.
وتابعت حديثها قائلة: “لسنوات طويلة كانت زيارة المتحف المصري جزءًا من طقوسي الخاصة في وسط البلد. لم أزر المتحف يومًا دون أن أتجه مباشرة إلى قاعة توت عنخ آمون ومجموعته التي أعرفها وأحفظ تاريخها قطعة قطعة. لأسباب شخصية ارتبطت بالملك الشاب، حفظت في قلبي تاريخه ومجموعة كنوزه الذهبية. كنت أراقب كل تغيير يطرأ على القاعة، مهما بدا طفيفًا. حفظت أماكن القطع، وأرقامها، وطريقة عرضها في تلك القاعة الباردة المظلمة التي قضيت فيها أجمل ساعات التأمل والدهشة”.
وأضافت عبد العليم: 'منذ أيام، أُغلقت القاعة، ورحل ساكنها ومجموعته الفريدة إلى المتحف الجديد البعيد، الذي لا أعرفه ولا أعرف الطريق إليه. أفكر كثيرًا: كيف سأزور الملك الذهبي ومجموعته هناك؟ كيف سأطابق تاريخي الشخصي المرتبط بتلك المجموعة مع المكان الجديد؟ تتضارب الأفكار في رأسي، ولا يتبقى منها إلا الحنين لتلك القاعة الباردة في ميدان التحرير، والرهبة من القاعة الجديدة التي لم أعرفها بعد".
وختمت عبد العليم: اليوم تتجه أنظار العالم إلى القاهرة، حيث افتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث الثقافي الأبرز في العالم هذا العام. وفي تلك اللحظة، أشعر أن شيئًا في داخلي يعود إلى مكانه، كما لو أن بوصلة القاهرة القديمة بدأت من جديد تشير نحو قلبها الأبدي التاريخ".















0 تعليق