يُعد المتحف المصرى الكبير الذى سيتم افتتاحه أول نوفمبر المقبل، صرحًا حضاريًا لا مثيل له، يقف شامخًا على هضبة الجيزة، حيث تتلاقى عظمة الأهرامات مع حداثة العمارة لتبدأ حكاية جديدة عن ماضٍ ضارب فى الجذور وحاضر يطمح إلى المستقبل.
إن هذا المشروع القومى العملاق الذى وصِف بأنه أكبر متحف فى العالم مخصص لحضارة واحدة، ليس مجرد مبنى يضم كنوزًا أثرية، بل هو فى جوهره ذاكرة مصر الحية، ووجدان تاريخها الذى لا يندثر، ومفتاح هويتها الوطنية أمام العالم. فى فضاءاته الشاسعة التى تناهز ١١٧ فدانًا، لا تُعرض الآثار، بل تروى فصول مجد الأمة المصرية عبر آلاف السنين.
ووظيفة المتحف كذاكرة تنطلق من دوره الأساسى فى الحفظ والصون. لقد استخدِمت أحدث التقنيات العالمية فى بناء المتحف لضمان بيئة مثالية لحفظ أكثر من ١٠٠ ألف قطعة أثرية، بدءًا من التحكم الدقيق فى درجات الحرارة والرطوبة، ووصولًا إلى معامل الترميم المجهزة على أعلى مستوى.
كما أن هذا الالتزام بحماية التراث يؤكد المسئولية الوطنية والعالمية لمصر تجاه إرثها، فكل قطعة أثرية، من تمثال رمسيس الثانى المهيب الذى يستقبل الزوار، إلى التفاصيل الدقيقة فى كنوز الملك الذهبى توت عنخ آمون التى تعرض كاملة لأول مرة، تمثل صفحة من صفحات تلك الذاكرة العظيمة.
هذه الإجراءات تضمن أن تنقل هذه الشواهد التاريخية إلى الأجيال المقبلة سليمة ومحافظًا عليها، لتبقى دائمًا مصدر إلهام وفخر.
وعلى الصعيد الثقافى يعمل المتحف كمركز لتنشيط الذاكرة الجماعية وإعادة تعريف الهوية الوطنية فى العصر الحديث. فالمتحف ليس مكانًا للسائحين فحسب؛ بل هو مؤسسة تعليمية وتثقيفية تهدف إلى توعية النشء والمجتمع المصرى بعبقرية أجدادهم.
فمن خلال العروض المتحفية المبهرة التى تستخدم تقنيات العرض التفاعلية والتوثيق الرقمى، يتحول التاريخ الجامد إلى تجربة حية تثير الفضول وتعمق الانتماء. وتتخطى فعالياته مجرد العرض لتشمل الندوات والمؤتمرات ومتحف الأطفال والمراكز التعليمية، التى تجعل الثقافة والتراث جزءًا من الممارسة اليومية، مجددة بذلك العهد بين المصريين وحضارتهم الخالدة.
أما على المستوى العالمى فإن المتحف المصرى الكبير هو رسالة مصر للعالم بأكمله. إنه صرح يؤكد دور مصر كمهد للحضارة ومنارة أضاءت دروب العلم والفن والروح عبر التاريخ. وبافتتاحه يصبح المتحف منصة دولية للحوار الثقافى، حيث يجمع خبراء الآثار من كل مكان، ويسهم فى مد جسور التواصل بين الشعوب من خلال تبادل المعرفة والتعاون البحثى.
إن وجود هذا الكنز الحضارى يضع مصر فى مصاف الدول الرائدة التى تستثمر فى تراثها ليس فقط كقيمة رمزية، بل كرافد تنموى حقيقى، يربط بين الحفاظ على الذاكرة وتحقيق التنمية المستدامة، ما يعزز مكانة مصر وقدرتها على إدارة مشاريع عملاقة تليق بعظمتها التاريخية.
ويمثل المتحف المصرى الكبير تتويجًا لحلم راود المصريين لعقود، وهو ليس نهاية المطاف، بل هو فجر جديد تشرق فيه شمس الحضارة المصرية مجددًا على العالم انطلاقًا من مصر الجديدة. إنه دليل دامغ على أن مصر لا تزال قادرة على الإبداع والريادة، وأن جذورها الضاربة فى أعماق التاريخ هى سر خلودها وقدرتها على تجاوز التحديات.
إنه شهادة خالدة على أن هذه الأرض تبقى ذاكرة الحضارة ووجدان التاريخ، حيث تسمع أصداء آلاف السنين، وتظل مصر، بذاكرتها المجسدة فى هذا الصرح، الحكاية التى لا تعرف للنهاية سبيلًا.
ويعد مشروعًا قوميًا عملاقًا يمثل نقلة نوعية للاقتصاد المصرى، فهو ليس مجرد صرح ثقافى، بل بوابة اقتصادية جديدة تهدف إلى إعادة رسم خريطة السياحة العالمية. ومن المتوقع أن يحدث المتحف طفرة كبيرة فى أعداد السائحين الوافدين، خاصة مع عرضه أكثر من ٥٣٠٠ قطعة أثرية نادرة للملك توت عنخ آمون لأول مرة، ما يجعله مقصدًا سياحيًا متكاملًا، ويعزز مكانة مصر على خريطة السياحة الدولية.
كما يسهم المتحف فى زيادة عائدات مصر من العملات الصعبة، ويعزز من قوة الجنيه المصرى. ويعمل على تنشيط الصناعات المغذية للسياحة والتراث، كالحرف اليدوية والمنتجات التراثية، ويدعم الصناعات الإبداعية والثقافية، ما يخلق فرص عمل جديدة ويشجع على الاستثمار طويل المدى، ويدفع بعجلة التنمية المستدامة التى تتبناها الدولة المصرية.
















0 تعليق