بعد أكثر من ربع قرن من الحيرة، نجح فريق من الباحثين الهولنديين في جامعة أوتريخت في فكّ أحد أكثر الألغاز الجيولوجية إثارة على المريخ، بعدما تبيّن أن السبب وراء الأخاديد المتعرجة التي تغطي كثبانه الرملية ليس تدفق المياه كما كان يُعتقد سابقًا، بل هو انفجار ناتج عن تبخّر الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون الصلب).
هذا الكشف العلمي المذهل أعاد رسم فهم العلماء لديناميكية سطح المريخ ودور تغيراته الموسمية في تشكيل تضاريسه.
تجربة تحاكي المريخ على الأرض
داخل مختبر متطور يُعرف باسم "غرفة المريخ"، صمم العلماء بيئة دقيقة تحاكي ظروف الكوكب الأحمر من حيث انخفاض الضغط الجوي، شدة البرودة، ومستويات الإشعاع الشمسي.
ثم أسقط الفريق كتلًا من الجليد الجاف على منحدرات من الرمال بزوايا مختلفة، وقاموا بتصوير المشهد بكاميرات عالية السرعة لرصد كل تفصيلة من التفاعل.
النتائج كانت مفاجئة: على المنحدرات الحادة انزلقت كتل الجليد ببساطة دون أثر، لكن على المنحدرات اللطيفة بدأت الكتل تحفر طريقها بنفسها داخل الرمال، مطلقة انفجارات صغيرة من الغاز أدت إلى تشكل أخاديد متعرجة تشبه تمامًا تلك التي التقطتها الكاميرات المدارية على المريخ منذ عام 1999.
سر الظاهرة: انفجار من الداخل
يكمن جوهر الظاهرة في خاصية الجليد الجاف الشفافة، التي تسمح لأشعة الشمس بالتغلغل وتسخين الرمال أسفله مباشرة.
ومع ارتفاع درجة الحرارة، يتحول الجليد من الحالة الصلبة إلى الغازية في عملية تُعرف بـ"التسامي"، مما يؤدي إلى تراكم ضغط قوي تحت الكتلة حتى يحدث انفجار مفاجئ يدفع الرمال في كل الاتجاهات، تاركًا وراءه أخاديد متموجة واضحة المعالم.
نتائج مذهلة تفسر صور المريخ الحقيقية
من خلال النماذج الرقمية التي تحاكي الجاذبية المريخية، اكتشف الباحثون أن كتلًا بسمك متر واحد من الجليد يمكنها أن تقذف الرمال لمسافة تصل إلى 13 مترًا، وهو ما يطابق المشاهدات الفعلية التي رصدتها المركبات المدارية.
كما أوضحت الدراسة أن هذه الأخاديد تظهر فقط في الكثبان ذات الحبيبات الدقيقة، لأنها تسهّل عملية التسامي والانفجار مقارنة بالرمال الخشنة.
دورة موسمية مدهشة
يتكوّن الغلاف الجوي للمريخ في معظمه من ثاني أكسيد الكربون، وخلال الشتاء تتراكم طبقة من الثلج الجاف بسماكة تصل إلى 70 سنتيمترًا فوق الكثبان الرملية.
ومع حلول الربيع، تبدأ هذه الطبقة بالذوبان والانفصال عن المنحدرات، لتنزلق نحو الأسفل مولّدة تلك الأخاديد المذهلة التي تتجدد كل عام، في مشهد موسمي متكرر يجعل تضاريس المريخ حية ومتحركة باستمرار.


















0 تعليق