كيف استخدمت نوال السعداوي السرد كمنصة للثورة الفكرية؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أن تُعرف نوال السعداوي (27 أكتوبر 1931 — 21 مارس 2021) كمفكرة نسوية أو ناشطة سياسية، كانت أولًا وأساسًا روائية اختارت السرد ليكون ميدانها الأول للثورة. لم تكن الكلمة عندها مجرد وسيلة للتعبير، بل كانت سلاحًا للمواجهة ومشعلًا يضيء عتمة المسكوت عنه.

كتبت “السعداوي” الرواية كما يكتب المقاتل وصيته الأخيرة، تضع فيها وجعها، غضبها، وحلمها بعالم أكثر إنسانية وعدلًا.

سقوط الإمام | نوال السعداوي | مؤسسة هنداوي

في أعمالها الأولى، بدا واضحًا أن السرد عند نوال السعداوي ليس حكاية امرأة بقدر ما هو مرآة لمجتمع كامل يعاني من أزماته البنيوية العميقة. 

في روايات مثل: "امرأة عند نقطة الصفر، والوجه العاري للمرأة العربية، وسقوط الإمام"، استخدمت نوال شخصياتها كرموز، وجعلت من أقدارها أدوات لكشف البنية الذكورية والسياسية التي تحاصر الإنسان - رجلًا كان أو امرأة - في عالمٍ يرفض الحرية ويخشى المواجهة.

لم تكن نوال السعداوي تفصل بين الأدب والفكر، فكل رواية كتبتها كانت توازي كتابًا فكريًا في عمقها وقدرتها على طرح الأسئلة الكبرى.

الوجه العاري للمرأة العربية | نوال السعداوي | مؤسسة هنداوي

 كانت تؤمن أن القارئ لا يغيّر رأيه من خلال الخطابات النظرية الجافة، بل حين يعيش التجربة من الداخل، حين يشعر بما تشعر به البطلة المقهورة، أو يرى بعينيها القيود التي تكبّلها. من هنا تحوّل السرد عندها إلى تجربة فكرية متكاملة، تجمع بين المتعة الجمالية والصدمة المعرفية.

امتازت لغتها بالجرأة والوضوح. كانت تعرف أن المواربة لا تصنع ثورة، فكتبت عن الجسد والسلطة والدين والمجتمع بلغة مباشرة تصطدم أحيانًا لكنها لا تتنازل أبدًا عن صدقها.

 لم تخف من ردود الفعل ولا من الاتهامات التي لاحقتها، لأنها كانت ترى في الصدام ضرورة للتغيير. لذلك بدت أعمالها دائمًا كأنها بيانات احتجاج أدبية، تستفز العقل وتحرّض على التفكير وإعادة النظر.

امرأة عند نقطة الصفر | نوال السعداوي | مؤسسة هنداوي

كانت نوال السعداوي ترى أن الكتابة فعل سياسي بامتياز، حتى وإن اتخذ شكل الرواية أو القصة. فالأدب عندها ليس ترفًا فكريًا، بل وسيلة للمقاومة.

 كانت تكتب لتكشف وتواجه، لتعيد للمرأة حقها في أن تكون راويةً لا مروىًّ عنها، وصوتًا لا صدى. عبر كتاباتها، أعادت تعريف مفهوم "الأدب النسوي" من كونه دفاعًا عن حقوق النساء إلى كونه مشروعًا شاملًا لتحرير الإنسان من كل أشكال القهر.

تجاوز تأثير نوال السعداوي حدود الورق، إذ ألهمت أجيالًا من الكاتبات والمبدعين الذين رأوا في السرد وسيلة لتغيير الوعي الجمعي. 

تحوّلت أعمالها إلى أيقونات فكرية تُقرأ في الجامعات وتُناقش في المنتديات الثقافية حول العالم. لقد جعلت من الرواية مساحة للنقاش، ومن الكلمة ساحة معركة فكرية تشتبك فيها الحرية مع السلطة، والعقل مع الخرافة، والمرأة مع مجتمع يصر على تهميشها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق