تحل فى ٣٠ أكتوبر الجارى ذكرى ميلاد الشاعر العظيم فؤاد حداد، وفى حياته وبعدها لم يلقَ الشاعر العظيم حقه من التكريم، أو الفهم، أو التقدير، ويرجع ذلك فى الأساس لأننا- الناس والمؤسسات الثقافية- لا نحيط أدباءنا بالمحبة والاهتمام الكافى، وأحيانًا لا نقرأ ما اعتصروه من قلوبهم رقة وحنانًا. هو القائل: «بكيت مسحت دموعى.. بأمسح دموعى بكيت»، وغيرها من الروائع التى تجزم بأن «حداد» عبقرية شعرية لم تتكرر.
ويتصادف أن روسيا فى الوقت نفسه تقريبًا- فى ٣ أكتوبر- تحتفل من أقصاها إلى أقصاها بعيد ميلاد الشاعر سيرجى يسينين، الذى لُقّب بشاعر الحب والطبيعة والحزن. كيف نحتفل نحن بشعرائنا؟ كيف نحتفى بفؤاد حداد؟ لا شىء، ربما تشير الإذاعة إلى يوم مولده بكلمتين عابرتين، هذا إذا فعلت، ثم يخفق الصمت بجناحيه القويين كأن لم تكن لدينا معجزة شعرية اسمها فؤاد حداد.
وكيف يحتفلون هم فى الخارج بشاعرهم؟ أقيم فى روسيا بدءًا من ٣ أكتوبر، تاريخ ميلاد يسينين، وعلى مدى ثلاثة أيام، «مهرجان يسينين القومى للشعر» فى عدة مدن، وشمل أمسيات شعرية، وعروضًا موسيقية، ومسرحيات، ولقاءات أدبية، وورش عمل أدبية عن الشاعر وإبداعه. وفى ٤ أكتوبر أقيم مهرجان آخر فى القرية التى ولد فيها الشاعر، شارك فيه بإلقاء القصائد نجوم السينما والمسرح المشهورون، وفى ٥ أكتوبر أذاعت القناة التليفزيونية الروسية الأولى عرضًا مسرحيًا موسيقيًا جديدًا بعنوان «يسينين»، وتم افتتاح معرض صور بعنوان «موسكو فى حياة يسينين» فى أحد أهم شوارع موسكو «شارع تفيرسكايا»، وقاموا بتحديث وتجديد مجموعاته الإلكترونية على الإنترنت، وأقام اتحاد كتاب الثقافة والفن، بهذه المناسبة، مسابقة شعرية للشعراء من جميع الأعمار بجوائز كبرى، ومسابقة أخرى فى ترجمات شعره وأعماله! هكذا يحتفلون بكتّابهم وشعرائهم.
وكنت أرى عندما كنت فى روسيا كيف يتوافد الناس من جميع الأعمار فى ذكرى ميلاد شاعرهم بوشكين، ويلقون باقات الورد بالمئات تحت قدمى الشاعر العظيم. وكانت كل قاطرة مترو تخصص عربة من عرباتها مكتوبًا عليها «الأدب»، تدخل العربة فترى صور تشيخوف وتولستوى وغيرهما، ونبذة عن حياة كل أديب، ومقتطفات من كتاباته. هكذا يتعلم الناس احترام ومحبة الفن.
كيف ستمر ذكرى ميلاد حداد؟ وإذا مرت كما هى العادة فى صمت، فكيف ستمر ذكرى رحيله التى تحل فى الأول من نوفمبر؟ وهل تتحرك وزارة الثقافة للقيام بدورها ولو قليلًا؟ لا أدرى ربما يحق لى، أو لنا جميعًا، أن نحلم بأيام يضع فيها الناس باقات الزهور تحت قدمى الفنانين الذين وهبوا حياتهم لأجمل المعانى، وأن تحل أيام نحتفل فيها بحداد وبيرم التونسى وصلاح جاهين بشىء ولو قليل من مظاهر احتفال روسيا بشاعرها.
لا أحد غير فؤاد حداد يستطيع أن يقول: «أنا والتراب المنور انتصرنا لبعض.. وكنت صايم ملكت من السماء للأرض.. وكنت عطشان ما حدش ارتوى زيى». لا يقول ذلك وغيره من عبقرية الشعر سوى فؤاد حداد.


















0 تعليق