حين يصبح "الردح" سياسة خارجية.. اللغة الدبلوماسية تخلع قفازها الحريري

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مشهد يختصر انحدار الخطاب السياسي العالمي واللغة الدبلوماسية، أثارت المتحدثة باسم البيت الأبيض مؤخرًا جدلًا واسعًا حين ردت على سؤال صحافي بعبارة ساخرة: "أمك" (Your mother)، في واقعة تعكس كيف تراجعت لغة الدبلوماسية من فن التوازن واللباقة إلى ميدان السخرية والتجريح العلني.

لغة فقدت أناقتها

لم تعد التصريحات العدائية حالات فردية في اللغة الدبلوماسية، بل باتت مشهدًا متكرّرًا في العلاقات الدولية. فوزارة التجارة الصينية وصفت تايوان مؤخرًا بأنها تمارس "العهر السياسي"، بينما تبادلت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نعوتًا قاسية مثل "مقرف" و"مثير للشفقة". هذه المفردات، التي كانت يومًا محرّمة في القاموس الدبلوماسي، أصبحت اليوم عناوين رئيسية للصحف حول العالم.

ترامب.. كسر القواعد

ومن بين أبرز من غيّروا قواعد اللعبة واللغة الدبلوماسية، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لم يتردد في وصف نظيره الكولومبي غوستافو بيترو بـ"تاجر المخدرات غير الشرعي"، معلنًا وقف المساعدات الأميركية لبلاده. لم تكن هذه سابقة في سجله، إذ سبق أن وصف رؤساء أفارقة بأنهم من "بلدان القاذورات"، وسخر من رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ونعته بـ"الضعيف والمنافق"، وتهكم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

منذ دخوله البيت الأبيض عام 2016، حوّل ترامب الخطاب الدبلوماسي إلى ميدان صدام علني، جاعلاً من السخرية والتهكم أدوات ضغط سياسي، في مشهد يبتعد عن الرصانة التي ميّزت زعماء مثل تشرشل وديغول.

دبلوماسية "السوشيال ميديا"

يرى محللون أن تدهور اللغة الدبلوماسية مرتبط بتغيّر أدوات التواصل السياسي. فبينما كانت الرسائل في الماضي تمر عبر القنوات الرسمية والبيانات الدقيقة، بات السياسي اليوم يخاطب الملايين مباشرة عبر المنصات الاجتماعية، حيث تهيمن السرعة والحدة والعاطفة على المنطق والاتزان.

تلك المنصات تكافئ "الغضب"و"الجدل"، مما شجّع المسؤولين على استخدام لغة صادمة تثير التفاعل. وهكذا أصبحت الشتائم تُبثّ على الهواء مباشرة، بعد أن كانت تُقال بين السطور في الغرف المغلقة.

حين تتحول الكلمات إلى أسلحة

أصبح العالم اليوم يعيش ما يمكن تسميته بـ"زمن الدبلوماسية الغاضبة"، حيث الخطاب السياسي يعكس حالة الانقسام العالمي والاحتقان الأيديولوجي بين القوى الكبرى. فكل تصريح عدائي يوجَّه بقدر ما هو رسالة إلى الخصم، هو أيضًا وسيلة لحشد الأنصار في الداخل.

ويحذّر خبراء من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى تآكل الثقة بين الدول وصعوبة العودة إلى لغة التفاهم الهادئ. فحين تختفي اللياقة من الدبلوماسية، تصبح الكلمات بذورًا للنزاعات، وقد تتحوّل تغريدة غاضبة إلى شرارة أزمة دولية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق