في مثل هذا اليوم وتحديدا 19 أكتوبر لعام 1941 رحلت الشاعرة والأديبة الفلسطينية مي زيادة، بعد حياة مليئة بالتحديات والإنجازات والألم، لتظل واحدة من أكثر الشخصيات الأدبية تأثيرًا في تاريخ الأدب العربي الحديث.
ولم تكن مي زيادة مجرد مسيرة أدبية حافلة بالنجاحات، بل كانت أيضًا سلسلة من المحطات المؤلمة التي شكلت شخصيتها وأثرت في كتاباتها؛ وهو ما نستعرضه خلال السطور التالية..
بدايات مي زيادة
ولدت الأديبة والشاعرة الفلسطينية مي زيادة في الناصرة عام 1886 باسم ماري إلياس زيادة، قبل أن تختار لنفسها اسم "مي" الذي ارتبط بها طوال حياتها الأدبية، وكانت ميّ ابنة وحيدة لأب لبناني وأم سورية فلسطينية المولد، ونشأت في بيئة مثقفة أهلتها لأن تتقن ست لغات، بالإضافة إلى إلمامها العميق باللغة العربية وفنون التعبير بها.
تلقت مي زيادة تعليمها الأساسي في الناصرة، ثم انتقلت لاستكمال دراستها الثانوية في عينطورة بلبنان، قبل أن تنتقل عام 1907 مع أسرتها إلى القاهرة، حيث بدأت رحلتها الحقيقية في عالم الأدب والصحافة، وهناك، عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأكملت دراسة الألمانية والإسبانية والإيطالية، إلى جانب متابعة الدراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
مي زيادة.. صعود نجم أدبي
مع حلول سنوات الشباب، خالطت مي زيادة كبار الكتاب والصحفيين، وبرز نجمها سريعًا ككاتبة مقالات اجتماعية وأدبية ونقدية، وباحثة وخطيبة مؤثرة، كما أسست ندوة الثلاثاء، وهي ندوة أسبوعية جمعت لأكثر من عشرين عامًا أبرز كتاب وشعراء العصر، من بينهم: أحمد لطفي السيد، مصطفى عبدالرازق، عباس العقاد، طه حسين، مصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران.
وكان قلب مي زيادة متعلقًا بالأديب اللبناني جبران خليل جبران، رغم أنهما لم يلتقيا قط، وظلت المراسلات بينهما ممتدة لعشرين عامًا حتى وفاة جبران في نيويورك عام 1931.
نشرت مي زيادة مقالاتها وأبحاثها في كبريات الصحف والمجلات المصرية، وصدر لها ديوان شعري باللغة الفرنسية بعنوان "أزاهير حلم" عام 1911، بالإضافة إلى عدة أعمال أدبية مترجمة وروايات، ثم كتبها الشهيرة مثل: باحثة البادية (1920)، كلمات وإشارات (1922)، المساواة (1923)، وبين الجزر والمد (1924).
محطات الألم في حياة مي زيادة
على الرغم من هذا النجاح الباهر، شهدت حياة ميّ زيادة فصولًا مظلمة، وتوالت الخسارات على حياتها الشخصية بشكل مأساوي، إذ فقدت والدها عام 1929، ثم جبران عام 1931، وبعدها والدتها عام 1932، كل هذه الخسارات المتلاحقة أدت إلى صقيع الوحدة والفراغ العاطفي الهائل، ولم تفلح رحلاتها إلى إنجلترا وإيطاليا في تخفيف هذا الألم النفسي، بل كانت مجرد محاولات يائسة للتأقلم مع فقدان أحبائها.
عام 1938، تعرضت مي زيادة لمحنة صعبة أخرى، إذ حيكت ضدها مؤامرة من ذويها أدت إلى إدخالها مصحة الأمراض العقلية في بيروت بعد إصدار حكم بالحجر عليها، وذلك على الرغم من سلامة عقلها، وتدخل عدد من الأدباء والمفكرين العرب، وعلى رأسهم أمين الريحاني، لرفع الحجز عنها، لتعود إلى القاهرة حيث أمضت آخر سنوات حياتها في عزلة، محاطة بأوراقها وكتبها، في محاولة للتخفيف من وجع الفقد والألم النفسي.
0 تعليق