حين تظهر ماري منيب على الشاشة، لا يمكن للعين أن تخطئ حضورها. كانت تمتلك كاريزما فريدة، تجمع بين الصرامة والعفوية، وبين “الشرّ” الذي يُضحك و”الجدّية” التي تُحبّ. فهي ليست مجرّد ممثلة كوميدية، بل مدرسة قائمة بذاتها في الأداء والتعبير.
بدأت مشوارها على خشبة المسرح، حيث صقلت موهبتها وتعلّمت أسرار التمثيل الحقيقي: الوقفة، النبرة، الإيقاع، والتفاعل مع الجمهور. ومن هناك انتقلت إلى السينما، حاملةً معها روح المسرح وثقله الفني. وفي زمنٍ كان فيه الظهور النسائي في الكوميديا محدودًا، كانت ماري منيب تتقدّم بثقة، لتصبح إحدى أوائل النساء اللواتي صنعن الضحك بذكاء لا بمبالغة.
اشتهرت في أدوار “الحماة المتسلّطة”، التي دخلت بها وجدان الناس، حتى صارت صورتها جزءًا من الذاكرة الشعبية. لكنها لم تكن تكرّر نفسها يومًا — بل كانت تُضفي على كل شخصية تفاصيل جديدة: في اللهجة، في النظرات، في توقيت الجملة الكوميدية. كانت تعرف أن الكوميديا فنّ دقيق، يحتاج إلى إحساس وإيقاع، لا إلى صراخ أو تهريج.
وراء قناع “الشريرة” التي تزرع الفوضى في بيوت العرسان، كانت ماري منيب امرأة طيّبة القلب، محبوبة من زملائها، تُدخل الفرح إلى كواليس العمل، وتتعامل مع الجميع بروح الأم والصديقة.
تركَت خلفها إرثًا فنيًّا غنيًّا، ما زال يعيش حتى اليوم في وجدان الجمهور، ويُذكّرنا بأن الضحك النابع من الصدق يبقى خالدًا.
ماري منيب لم تكن ممثلة عادية، بل امرأة جعلت من “الشرّ” فنًّا ومن المبالغة صدقًا، ومن الكوميديا رسالة محبّة.
كانت ماري منيب تشبه شمس الضحك التي لا تغيب… كلّما أطلّت على الشاشة، امتلأ القلب دفئًا، والعين بهجة. كانت تعرف كيف تُضحك الناس من أعماقهم، وكيف تزرع الفرح حتى في أكثر اللحظات حزنًا.
رحلت الجسد، لكن روحها ما زالت تلوّح لنا من زمنٍ جميل… زمن الفن النقي، والضحكة التي لا تعرف الاصطناع.
تبقى ماري منيب، سيّدة الموقف وضحكة الزمن الجميل، واحدة من علامات الكوميديا التي لا تُمحى، مهما تغيّرت الأيام.
0 تعليق