نعيم الكتابة وعذابها

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 23/سبتمبر/2024 - 10:31 ص 9/23/2024 10:31:47 AM


تنتابني لحظات، ككاتب، لا كرجل مثقف، أفكر فيها بالعزوف عن الكتابة، يعزف عزوفًا تامًا عن الكتابة، خصوصا، تلك الكتابات التي تبين مواطن الخلل في المجالات كافة، وما يصادفنا في الحياة من صعاب، ربما لا ينتبه اليها المسئولون. 
ويراودني هذا الإحساس أيضا في المجال الإبداعي، بعد ان كتبت الكثير من الروايات والقصص ونشرتها، وأصبحت اسأل نفسي ماذا أكتب؟ ولماذا أكتب؟ وما جدوى الكتابة؟
في البداية أرى أن الكاتب يجب أن يكون حرا، أو على الأقل عليه أن يسعى إلى جرا، وغير مقيد بقيود مجتمعيه أو سياسية ،ربما لأن الكتاب فعل تحرري، ينطلق منها الكاتب لفك قيود الرتابة المجتمعية، أن يكون حرا في اختيار المواد التي يكتب فيها  والتعبير عنها بأسلوبه الخاص الذي يفهمه مجتمعه والمحيطون به ومن يقرئون كتاباته في المقابل ان يحترم حرية مجتمع وقراءه  ويحترم عاداتهم ومعتقداتهم..
ماذا اكتب؟ سؤال ربما راود الكثير، ممكن أصبحت هوايتهم الكتابة والورقة والقلم، ثم يتحول الأمر الى نوع من الإدمان. وقيد لا يستطيعون التخلص منه إلا بالكتاب في الموضوعات التي تعجبه. وهناك كتاب آخرون تكون الكتابة لديهم عبارة مهنة، واقصد كتاب السيناريو والقصص المسلسلات والأغاني وكتابة التعليقات والملخصات، والمقالات السياسية والصحفية في الصحف. وهؤلاء يرون أن الكتابة ليست معضلة، وهي وسيلة وليست غاية، وسيلة لجلب الرزق والمال والجاه. وليست غاية لراحة الضمير، ويكتبون بغزارة ولا يهم رأي الآخرين أو نظرة النقاد والقراء، ولا يهمهم نظرة الناس إليهم.
الكاتب لا علاقة له بالتأثير الحاصل الذي تحدثه كتاباته، في أي وقت من الأوقات، الكتابة بالنسبة إلى الكاتب شيء مصيري وشخصي تمامًا. الكاتب لا ينتظر أن يرى آثار كتاباته على القُرَّاء أو في المجتمع إنه يؤدّي رسالته ككاتبٍ لا أكثر.. يكتب الشعر لأن احساسه وعقله يخبره أن تلك هي الطريقة الوحيدة للتعبير عمّا يفكر فيه ويجول بخاطره او خياله، وربنا كان البحار الذي كتب وصيته وهو السفينة ووضعها في زجاجة فارغة واغلقها والقاها في البحر، يعتقد أن كتاباته ستحدث اثرها بلا محالة، حتى لو مات هو غرقا في السفينة، المهم انه كتب ما يريد واراح ضميره بما تحويه كتابته، عندما تضيق به السُبُل ويشعر أنه مواجه الموت لا محالة.
ليس من السهولة أن ندعي أن الكتابة ليست ملء فراغ أو مجرد حاجة ما، أو أنها أمر غامض، اختص به الله  الكتاب والمبدعون، ولا يعلمون أنها مثل أي فن أو حرفة تخضع لعوامل التعليم والثقافة والتدريب، لإتقان الحرفة أو المهنة، إنها تجربة المحاولة والخطأ، المهم ان يستفيد الكاتب من اخطائه ولا يكررها، ونرى ان الكتابة نوع من المغامرة بهدف اكتشاف دواخل ودهاليز النفس البشرية، كما انها محاولة أيضا  لاكتشاف العالم بكل ابعاده الجغرافية والتاريخية، وتصبح للكاتب متع المكتشف، أو متعة مطابقة ما دار بخاطره وتفكيره وخيالة بالواقع المحيط به واتفق معه، وعبر عن دواخله، ودهاليز النفس البشرية بكل حالاتها، في تأويلاته واشعاره وقصصه ورواياته او نصوصه المسرحية، وفي تأويله لشكلٍ لذلك، يشكل بسيط وقابل للفهم والإدراك، لأنه ناتج عن عقل يتغذى بالقلق والهواجس والخيال، وهنا فضيلته الكبرى.
ما يفكر فيه إليه الكتاب والمبدعون، هو أن الكتابة لم تعد من متطلبات القلق النفسي والعاطفي، أو تجارب للفاشلين في الحب.  لكنها أصبحت ضرورة قادتها مصادفات كثيفة، ضرورية وحتمية، حتى خرجت بصورتها التي عليها، وأصبحت أفعالًا وحوارات وكلمات، سواء استخدمت صفحات التواصل الاجتماعي، أم شاء حظها أن تظهر في صورة كتاب جميل الكتابة والطباعة. 
الآن أصبحت الكتابة أمرا حتميا، يدفع صاحب الفكر الى تسجيل افكاره، لتصبح ابداعا في أي جنس او لون ادبي كتبها صاحبها، لطالما كان هاجس المبدع الرئيس هو أن يضيف لمعارف الآخرين من قراءه ما جال بخاطره وفكر فيه،  المهم ان تكون تجربته واعية ومصقولة ومنقحة، وبها تصبح له شرعية الوجود بين المبدعين، وله اسم وشخصية أدبية لها حضورها في عالم المبدعين.
الكتابة هي الحضور الشخصي والطاغي للكاتب. لأنه وحدة يملك القدرة على التعبير للوصول الى عقلية القراء.
وهنا استعيد قول الكاتب والمفكر والشاعر اللبناني الراحل أمين الريحاني عندما قال في إحدى كتاباته"
" سيدي، دعني ألقي على كتفك رأسي، فيذوب ثلج فتوري ويأسي، قرِّبني من فؤادك لأتزود من الحب الذي لا يعرفه أحد من عبادك، سيدي، اسقني من الحريَّة والحق والإخاء ما لا يشوبه الخوف والرياء".

أخبار ذات صلة

0 تعليق