التكنولوجيا القاتلة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 23/سبتمبر/2024 - 10:24 ص 9/23/2024 10:24:46 AM

فى الوقت الذى كنت أشارك فى إحدى الندوات لنقابة المهندسين عن العلم والتكنولوجيا وأثرها فى تطور المجتمعات كانت إسرائيل تستهدف عناصر وقيادات من حزب الله اللبنانى بإستخدام التكنولوجيا والهجمات السيبرانية من خلال تفجير أجهزة "البيجر" التى تستخدمها عناصر الحزب بدلًا من أجهزة اللاسلكى أو الهواتف المحمولة... والتى راح ضحيتها العديد من كوادر الحزب مما يؤكد إننا دخلنا مرحلة جديدة أو عصرًا جديدًا من عصور الحروب التى تعتمد على التقنيات والتكنولوجيا الحديثة خاصة وإنها تحقق أهدافها بدقة كبيرة من خلال آليات التحكم عن بعد سواء عبر طائرات مسيرة لإصابة أهدافًا بعينها أو فى عمليات التجسس والإختراق والإغتيال لعناصر محددة كما تم فى عملية إغتيال الفلسطينى إسماعيل هنية فى إيران بالإضافة الى إستخدام عدد من البرامج التى تعتمد على الذكاء الإصطناعى حيث جاء العدوان الإسرائيلى الأخير على حزب الله ليؤكد مدى إعتمادها على هذا النوع من الحروب فى الوقت الحالى خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضى فى أعقاب الهجوم الذى قامت به حركة حماس والذى دفع إستخدام إسرائيل الى اللجوء لإستخدام كافة وسائل القتل حتى ولو كانت غير مشروعة متذرعة فى ذلك بأنها تدافع عن أمنها وأمن شعبها.
لم تكن مذبحة "البيجر" هى المرة الأولى التى تستخدم فيها إسرائيل سلاح التكنولوجيا فى القيام بعمليات نوعية ضد حزب الله فقد سبق لها إستخدام هذا السلاح فى عمليات الإغتيال التى فقد فيها الحزب نحو 400 من كوادره خلال الأشهر الماضية على رأسهم القيادى فؤاد شكر مما جعل الأمين العام للحزب حسن نصرالله يطلب من أعضاء الحزب وعائلاتهم التخلص من أجهزة الموبايل ونزع كاميرات المراقبة من شوارع الضاحية الجنوبية والتعامل بحذر مع شبكة الإنترنت بعد إستخدام إسرائيل هذه الوسائل التكنولوجية فى إختراق قواعد الحزب وإستهداف كوادره إلا أن ما حدث مؤخرًا شكل نقله نوعية جديدة سببت أضرارًا أضخم وإرتباكًا واسعًا داخل صفوف الحزب بل وبين جميع أبناء الشعب اللبنانى حيث أصيب العديد من الأبرياء المتواجدين فى الضاحية الجنوبية اللبنانية كما تعرضت المنشآت والمنازل لخسائر كبيرة دون مراعاة لأى إعتبارات إنسانية عند قيام إسرائيل بتلك التفجيرات وعاش الشعب اللبنانى ساعات طويلة من الرعب والهلع خوفًا على حياتهم وبلادهم.
لن نتحدث هنا أكثر من ذلك عن العدوان الإسرائيلى على لبنان من حيث أهدافه ودوافعه وكيفية تفجير أجهزة "البيجر" فقد تناولت ذلك بالشرح والإستفاضة جميع وسائل الإعلام فى حينه ولكننا نريد أن نتناول ذلك الإستخدام الخطير للتكنولوجيا الحديثة والتى بدلًا من أن تستخدم لنهوض البلاد ونموها هاهى تستخدم لدمار البلاد وقتل الأبرياء وترويع البشر حيث يمكن تدمير مناطق كاملة بإستخدام التكنولوجيا القاتلة التى تقود صراعات وتنفذ مواجهات مسلحة دون المغامرة بجندى واحد وهو ما يجعلنا أمام تحدٍ كبير فى ظل إستخدام هذا الشكل الجديد من أدوات المعارك والتى تم تحديثها على مدار السنوات الماضية حتى باتت فى صورة جهاز يمكنه إختراقك وتحديد موقعك وإستهدافك فى أقل من ثانية مثلما حدث فى تفجيرات لبنان الأخيرة.
وتتخذ الحرب الإليكترونية أشكالًا عديدة وتطورات سريعة فلم تقتصر على الطرود الخبيثة مثلًا بل توسعت قدراتها الى أبعد من ذلك بكثير بحيث أصبحت جزءًا من إستراتيجية الأمن القومى فى العديد من الدول خاصة مع تأجج الصراعات الدولية وصعود قوى جديدة تسعى لفرض كلمتها على العالم دون الإنغماس فى مستنقع الحرب المباشرة والقائمة على إرسال جنود فى مناطق الصراع فى ظل ما تحظى به أدوات الحرب السيبرانية من قدرات خارقة يمكن من خلالها تدمير مدن كاملة بما فيها ومن عليها.
لقد فرض الواقع الجديد لإستخدام التكنولوجيا لشن الحروب السيبرانية إستحداث مصطلحات حربية جديدة تضاف الى المصطلحات التقليدية حيث أصبح هناك ما يسمى بسباق التسلح الإليكترونى وساحات الحرب الإليكترونية والجهاد الإليكترونى والإرهاب الإليكترونى وجميعها أوصافًا لعمليات تقوم بها دولة ما تستهدف إتلاف أجهزة كمبيوتر أو شبكات للإنترنت أو إختراق شبكات تواصل لدولة أخرى أو عمليات إغتيال لشخصيات محددة أو تفجيرات وتدمير لمواقع معينة أو منشآت إستراتيجية أو حيوية ومن الواضح أن الحروب الحالية بدأت تأخذ هذا الإتجاه وهو ما نشاهده حاليا فى العدوان الإسرائيلى على غزة وعلى الجنوب اللبنانى...وتشير العديد من الأبحاث أن تكاليف تطوير الأسلحة السيبرانية ليست مكلفة للغاية وبالتالى فإن العديد من الدول تستطيع تحمل هذه التكاليف مقارنة بأسعار الأسلحة التقليدية كالطائرات والصواريخ...الخ كما أن لديها قدرة عالية على التخريب بكلفة إقتصادية منخفضة نسبيًا للمهاجمين وكذلك فإن المسئولية السياسية عن تلك الهجمات تعتبر محدودة الى حدٍ ما نظرًا لصعوبة إمكانية تحديد هوية من قام بالهجوم.... كما أن القانون الدولى لم يضع نصوصًا قاطعة لمواجهة العمليات السيبرانية العابرة للحدود حتى الآن وهنا نجد أن الحروب السيبرانية تجمع بين القدرة التخريبية العالية والإنتشار السريع بتكلفة إقتصادية وسياسية محدودة.
لقد بات جليًا إن إعتماد العالم أجمع على الإنترنت والتكنولوجيا من الممكن أن تقود إلى حروب مدمرة بإستخدام جيوش حديثة منظومتها القتالية سيبرانية لتصبح ميدانًا جديدًا من ميادين الحروب ومن هنا فقد بدأ العالم فى الإنتباه الى تلك الخطورة المتصاعدة وبدأت قضايا الأمن السيبرانى تأخذ أهمية كبيرة فى المجتمع الدولى وايضًا المجتمع العلمى الذى يدرس كيفية إتخاذ تدابير الحماية التكنولوجية والسياسية وتكريس سبل التعاون الدولى ضمانًا للأمن السيبرانى العالمى على إعتبار إنه رافد جديد يهدد الأمن القومى لدول العالم المختلفة.
لقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى خطورة إستخدام الحرب السيبرانية كسلاح قد يستخدم ضد الأمن القومى المصرى فى أى وقت من الأوقات خاصة على ضوء تلك الصراعات التى تشهدها المنطقة المحيطة بنا من كل تجاه...فكانت توجيهاته ضرورة العمل على حماية الأجهزة الإليكترونية والكمبيوتر وتطبيقات البرامج والأنظمة المهمة والبيانات من التهديدات الرقمية المحتملة وهو ما جعل مصر تأتى فى الفئة الأولى بالمؤشر العالمى للأمن السيبرانى وهو المؤشر المعنى لقياس مدى إلتزام الدول بمعايير الأمن السيبرانى وجاءت مصر ضمن 12 دولة فقط نجحت فى تحقيق 100 نقطة من مجموع نقاط المؤشر...وفى هذا الإطار شاهدنا الرئيس عبد الفتاح السيسى يفتتح مركز الحوسبة السحابية منذ أشهر قليلة وهو مركز على طراز فريد ومتقدم ويعد واحدًا من أكبر مراكز البيانات فى أفريقيا والشرق الأوسط...كما أطلقت وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات مبادرة "مجتمع رقمى آمن" لتعليم أساسيات الأمن السيبرانى وتأهيل وتطوير المهارات الرقمية لعدد كبير من الشباب من مختلف المراحل العمرية.
ويبقى أخيرًا العمل على رفع الوعى المجتمعى المعلوماتى وتعزيز الثقافة الرقمية من خلال التعلم والتأهيل بهدف دعم وتنمية إستخدام خدمات شبكة الإنترنت بأمان والتعرف على المجالات الحديثة وكيفية حماية البيانات الشخصية والخصوصية وهو دور أتمنى من وسائل الإعلام المختلفة القيام به من خلال الخبراء المتخصصون فى هذا المجال حماية لنا ولوطننا الغالى العزيز.

أخبار ذات صلة

0 تعليق