في تحول لافت يعكس رغبة واشنطن في إعادة ترتيب أولوياتها بالشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المرحلة القادمة ستكون مختلفة تمامًا، مؤكدًا أن ملفات غزة ولبنان وإيران تمثل محاور التحرك الأميركي خلال الفترة المقبلة.
غزة.. إعادة ضبط السيطرة
وخلال خطابه أمام الكنيست، شدد ترامب على أن الولايات المتحدة ماضية في إعادة ضبط التوازن الإقليمي، مع الحفاظ على حضور مباشر للقيادة الأميركية في إدارة أزمات المنطقة.
أوضح نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية في "سكاي نيوز عربية"، أن إسرائيل تعتمد الآن سياسة جديدة في التعامل مع قطاع غزة، تقوم على الضرب الفوري للأهداف دون انتظار جمع معلومات استخباراتية لاحقة، سواء في غزة أو لبنان.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط للاحتفاظ بنحو 15% من أراضي القطاع، مقابل انسحاب جزئي من 40%، بالتزامن مع ترتيبات لتسليم الأسلحة للسلطة الفلسطينية، في إطار استراتيجية متدرجة للسيطرة دون مواجهة مباشرة.
وأكد كناعنة أن المنطقة تمر بالمرحلة الثانية من الحرب، والتي ستحدد مصير القطاع سياسيًا وأمنيًا، مشيرًا إلى أن حماس أمام خيارين: إما وقف الحرب وتحمل مسؤولية إعادة الإعمار، أو مواجهة عزلة داخلية متزايدة.
لبنان.. حزب الله في مأزق
بحسب نديم قطيش، مدير عام "سكاي نيوز عربية"، فإن الأنظار تتجه مجددًا إلى لبنان، حيث ما زال الملف اللبناني مفتوحًا رغم تراجع قدرة التشكيلات المسلحة، وعلى رأسها حزب الله، على ممارسة "الشغب" العسكري.
وأضاف أن هناك احتمالات لوقوع احتكاكات بين حزب الله وقوات "اليونيفيل"، قد تخلق "مسافة دموية" تتيح لإسرائيل مبررًا جديدًا للتدخل، مما يجعل الساحة اللبنانية واحدة من أكثر الملفات حساسية في المرحلة المقبلة.
وفي خطوة وصفها ترامب بأنها "عمل جيد جدًا"، أعلن دعمه للرئيس اللبناني جوزيف عون في خطته لنزع سلاح حزب الله، مؤكدًا أن الحزب "تعرض للتدمير" وأن لبنان يستعيد تدريجيًا سيادته الأمنية.
إيران.. ضغوط مزدوجة ومقاربة جديدة
يرى موفق حرب، محلل الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية"، أن إدارة ترامب تتبع مقاربة مزدوجة تجاه إيران، تمزج بين الضغوط العسكرية والدبلوماسية.
وأوضح أن واشنطن لم تعد تركز على تغيير النظام الإيراني، بل على تغيير سلوكه الإقليمي، في إطار ما يسميه ترامب بـ"الميغا ديل" لإعادة إدماج إيران كدولة طبيعية في المنطقة، بعيدًا عن الطموحات النووية.
وأكد حرب أن الملف النووي الإيراني لم يعد يمثل تهديدًا استراتيجيًا بعد تراجع قدرات التخصيب، وأن ترامب يركز على إعادة تموضع إيران داخل البنية الأمنية الإقليمية، عبر اتفاقيات محتملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية.
النظام الإيراني.. الأزمة من الداخل
من جانبه، قال الإعلامي عماد الدين أديب إن واشنطن لا تسعى لإسقاط النظام الإيراني، بخلاف الرؤية الإسرائيلية التي تعتبر وجود الملالي تهديدًا وجوديًا.
وأوضح أديب أن النظام الإيراني منذ عام 1979 يقوم على مبدأ “البندقية ذات الوجهتين”، حيث يُستخدم الدين والسلطة لضمان بقاء النظام ونشر الفكر الثوري داخليًا وخارجيًا، مضيفًا أن الانقسامات بين "المعتدلين" و"المتشددين" مجرد واجهة شكلية.
وأشار إلى أن التحدي الأكبر أمام طهران اليوم هو الداخل الإيراني نفسه، مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن أي إصلاح حقيقي يتطلب مراجعة داخلية جريئة للنظام، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
الانتخابات المقبلة.. عام مفصلي للمنطقة
وبحسب تصريحات أديب، فإن عام 2026 سيشهد ثلاثة استحقاقات انتخابية مؤثرة: انتخابات الكنيست في إسرائيل، وانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي، إلى جانب الانتخابات الفلسطينية المرتقبة.
ويرى مراقبون أن نتائج هذه الاستحقاقات ستحدد شكل النفوذ السياسي في الشرق الأوسط، بينما يعتبر ترامب نفسه الضمانة الأساسية لتحقيق الاستقرار الإقليمي، بعد نجاحه في وقف التصعيد العسكري في غزة وتحرير الرهائن.
مرحلة جديدة بقيادة ترامب
تشير التحليلات إلى أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة إعادة تموضع كبرى، تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع الضغوط السياسية والدبلوماسية.
فترامب، الذي يسعى لإعادة رسم خريطة النفوذ، يركز على تحجيم الأذرع الإيرانية في لبنان وغزة، وضمان أن تبقى اليد الأميركية فاعلة في صياغة مستقبل المنطقة.
ورغم تمسك طهران بموقفها، أكد ترامب أن "يده ما تزال ممدودة لإيران"، موضحًا أن الأخيرة "ترغب في إبرام اتفاق"، ما يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول المقاربة الأميركية المستقبلية، في ظل مشهد متغير تتداخل فيه المصالح والتحالفات.
0 تعليق