رغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز ستةً وثلاثين عامًا، استطاعت نعيمة عاكف (7 أكتوبر 1929 - 23 أبريل 1966) أن تخلّد اسمها بين رموز الفن المصري، فقد كانت فنانة متعددة المواهب جمعت بين الرقص والغناء والتمثيل والمونولوج، لتصبح واحدة من أيقونات "هوليوود الشرق" في خمسينيات القرن الماضي، وواحدة من أكثر الفنانات اكتمالًا في تاريخ السينما المصرية.
نعيمة عاكف.. من السيرك إلى أضواء السينما
وُلدت نعيمة عاكف في 7 أكتوبر عام 1929 بمدينة طنطا، حيث كان سيرك والدها يقدم عروضه في مولد السيد البدوي، ومنذ طفولتها الأولى عاشت بين الحيوانات والمهرجين والحركات البهلوانية، فكان الفن يسري في عروقها بالفطرة، ولكن حياتها لم تخلُ من المنعطفات المبكرة، فبعد زواج والدها من أخرى، اضطرت والدتها للابتعاد عن السيرك، وانتقلت مع أطفالها إلى القاهرة لتبدأ رحلة كفاح قاسية.
وفي شارع محمد علي، حيث يتقاطع الفن الشعبي مع أحلام الصاعدين، وجدت نعيمة عاكف طريقها إلى ملهى الكيت كات، وهناك شاهدها المخرج أحمد كامل مرسي وقدّمها لأول مرة في فيلم "ست البيت"، ومن هنا بدأت الصدفة تصنع أسطورة؛ إذ التقطها المخرج حسين فوزي ليمنحها أول بطولة مطلقة في فيلم "لهاليبو"، قبل أن يتزوجها لاحقا، لتصبح بطلة أفلامه المتتالية، مثل "بلدي وخفة"، "بابا عريس"، "جنة ونار"، "تمر حنة"، و"يا حلاوة الحب".
نعيمة عاكف.. موهبة بالفطرة وتحدٍ منذ الطفولة
عندما بلغت الرابعة من عمرها، حاول والدها تعليمها الأكروبات لكنها لم تُبدِ حماسًا، فلجأ إلى حيلة أثارت غيرتها، إذ شجع شقيقتها الكبرى أمامها، فاشتعلت روح التحدي بداخلها وتعلمت فنون السيرك في أيام قليلة، وعندما بلغت السادسة طالبت بمرتب يومي، لتصبح أصغر فنانة تتقاضى أجرًا في سيرك عائلتها.
أما هدايا الطفولة فكانت "العرائس"، وكانت أول عروسة موسيقية تهديها لها إحدى سيدات الجمهور سببًا في حبها للرقص، فكانت تقلد حركاتها حتى أتقنت الرقص الشرقي، قبل أن يطلق والدها النار على تلك العروسة "سنية شيكابوم" في لحظة غضب، فيحطمها لكنه لا يحطم حلم ابنته التي ولدت لتكون راقصة استعراضية بالفطرة.
نعيمة عاكف.. من بهلوانات الشوارع إلى بديعة مصابني
مرّت الأسرة بأيام قاسية بعد إفلاس الأب ورهن السيرك، لتجد نعيمة عاكف نفسها تقدم العروض في شوارع القاهرة من أجل لقمة العيش، وفي تلك المرحلة شاهدها الفنان علي الكسار وضمها إلى فرقته مقابل 12 جنيهًا شهريًا، لتظهر على المسرح وتبهر الجمهور بمرونتها وحضورها اللافت.
وسرعان ما جذبت أنظار بديعة مصابني، التي تعاقدت معها مقابل 15 جنيهًا، وهناك تعلمت رقصة "الكلاكيت" بمجهودها الشخصي، بعد أن سرقت حذاء إحدى الراقصات لتقلد خطواتها وتتفوق عليها، فصفقت لها بديعة على المسرح إعجابًا بموهبتها النادرة.
نعيمة عاكف.. النجمة العالمية التي تألقت في موسكو
في عام 1956 اختارها زكي طليمات لتكون بطلة فرقة الفنون الشعبية في أوبريت "يا ليل يا عين" من تأليف يحيى حقي، وسافرت مع الفرقة إلى الصين لتقديم العرض، ثم إلى موسكو عام 1957، حيث قدمت ثلاث لوحات استعراضية نالت إعجاب العالم، من بينها "مذبحة القلعة"، "الرقصة الأندلسية"، و"حياة الفجر".
وفي العام التالي، فازت بلقب "أفضل راقصة في العالم" في مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958، من بين خمسين دولة مشاركة، لتصبح أول فنانة مصرية تحصد هذا التكريم الدولي.
0 تعليق