السيسي وقصة النصر الهادئ: حين انتصر الصبر على المؤامرة!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 13/أكتوبر/2025 - 10:15 م 10/13/2025 10:15:16 PM

هذا المشهد يكاد يُبكي قلب كل مصري فخرًا، حين جلس الرئيس عبد الفتاح السيسي على مقعد الرئاسة في مؤتمر شرم الشيخ للسلام اليوم، وحوله قادة العالم الذين حاصروا مصر يومًا، وراهنوا على سقوطها، وموّلوا خصومها، وحاولوا خنق صوتها.
كان المشهد أشبه بصفحة من التاريخ تكتمل أمام العيون... صفحة عنوانها: "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب."
عندما تولى الرئيس السيسي قيادة مصر عام 2014، كانت الدولة محاصَرة من كل اتجاه، الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما ادّعت دعم الديمقراطية، جمّدت جزءًا من المساعدات العسكرية، ووقفت مترددة في الاعتراف بالإرادة الشعبية المصرية التي أطاحت بحكم الإخوان، وأدارت ماكينة حقوق الإنسان الباطلة، بل إن بعض دوائر صنع القرار في واشنطن، خاصة خلال إدارة أوباما، كانت ترى أن ما جرى في مصر "انقلاب على الشرعية"، وتُوجّه رسائل تحذيرية لكل من يتعاون مع القيادة الجديدة.
والاتحاد الأوروبي من جانبه تبنّى خطابًا مزدوجًا؛ بيانات متتابعة تشكك في المسار السياسي المصري، وتقارير حقوقية مُسيّسة تتحدث عن "قمع المعارضة"، بينما كانت دول أوروبية كبرى تستضيف قيادات إخوانية مطلوبة للقضاء المصري، وتمنحهم منابر للحديث باسم "الثورة المظلومة".
أما تركيا، فكانت في ذروة مشروعها الإخواني العابر للحدود، وقاد رجب طيب أردوغان حربًا إعلامية وسياسية ودبلوماسية مفتوحة ضد مصر، فاستدعى سفراءه، وأطلق خطابًا تحريضيًا عنيفًا، وفتح أراضيه لقنوات تحرّض على الجيش والشعب، وأقام مؤتمرات تحريضية تضم الهاربين من العدالة المصرية، بل وذهب إلى ما هو أبعد حين دعا المجتمع الدولي إلى "معاقبة النظام المصري"، ووصف ما جرى في 30 يونيو بأنه "انقلاب دموي".
وإلى جوارها، كانت قطر تموّل حملات الكراهية وتفتح شاشات قناة الجزيرة على مدار الساعة لتشويه كل رموز الدولة المصرية، واستباحت عرضها وشرفها وكرامتها، حتى تحولت القناة إلى منصة حرب نفسية ضد مصر، تمارس التحريض والتشكيك والإساءة الممنهجة.
والمفارقة أن تلك الحملات لم تكن مجرد إعلام، بل كانت جزءًا من خطة ضغط إقليمي منسقة، اشتركت فيها قوى أخرى عبر المنظمات الدولية ومؤسسات التمويل، لعزل مصر سياسيًا واقتصاديًا، بل إن بعض المنظمات الحقوقية العالمية، التي يُفترض أنها محايدة، شاركت في هذه الحرب الناعمة، بإصدار تقارير مشبوهة تموَّل من نفس الدوائر التي دعمت الفوضى، في محاولة لتصوير مصر كدولة خارجة عن الشرعية الدولية.
كانت هناك محاولات لحرمان مصر من سلاحها الأمريكي، ومنع توريد بعض المعدات العسكرية الحساسة، وتأخير تسليم الطائرات "إف-16" وقطع غيار "الأباتشي"، كما خفّضت مؤسسات التمويل الدولية تصنيف مصر الائتماني، وبدأت شركات الاستثمار تتردد في دخول السوق المصري، وفي الوقت نفسه، كانت موجة إرهاب غير مسبوقة تضرب سيناء وتمدّ ذراعها إلى القاهرة والدلتا.
كانت مصر في تلك اللحظة، بحق، وطنًا يقف وحده في وجه عاصفة عالمية، ولم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يواجه معارضة داخلية فقط، بل يواجه شبكة مصالح دولية أرادت أن ترى مصر دولة ضعيفة تابعة، لا دولة مستقلة صاحبة قرار.
وكلنا شاهد عيان على حرب النفس الشرسة التي واجهها الرئيس السيسي بشخصه، وكانت الخطة أن يحاصروا الرجل قبل أن يحاصروا الدولة، في خطة سياسية أو إعلامية ممنهجة استهدفت الرئيس نفسه، حاولوا أن يهدموا رمزيته، أن يزرعوا الشك في شخصه، أن يُسقطوا مكانته في قلوب الناس، بعد أن عجزوا عن إسقاطه في الميدان.
شنّوا عليه حملات تشويه غير مسبوقة، استخدمت فيها كل أدوات العصر من فضائيات ومواقع إلكترونية وجيوش إلكترونية مدفوعة الأجر، تحاول ليل نهار أن تبث صورة مشوّهة للرجل، تارةً تصفه بالديكتاتور، وتارةً بالحاكم الفرد، وتارةً بالمغامر الذي يقود مصر إلى المجهول، وامتد الهجوم إلى عائلته وأسرته، في خروج فاضح عن كل قيم الخصومة السياسية، حتى بدا واضحًا أن الهدف لم يكن نقد الأداء، بل كسر الإرادة.
وفي لحظة بدا فيها أن الرهان هو تفريغ المساحة الشعبية من حوله، وتعميق الفجوة بين القائد وشعبه، وانطلقت آلة الشائعات بكل قوتها، مرةً بالحديث عن انهيار اقتصادي وشيك، ومرةً بتضخيم الصعوبات المعيشية، ومرةً بترويج مقولة أن حكم السيسي هو النهاية لمصر، وكانوا يريدون أن يزرعوا الخوف في القلوب، أن يقنعوا الناس بأن الدولة تسير نحو الهاوية، وأن ما جرى في 30 يونيو لم يكن خلاصًا بل بداية السقوط.
لكن الذي حدث كان العكس تمامًا، تحمل السيسي ذلك بصمتٍ يشبه صمت الجبال، لم ينفعل، لم ينكسر، لم يخرج يومًا ليدافع عن نفسه في معركة كلام، وكان يدرك أن الصراع الحقيقي ليس في الشاشات بل في الواقع، وأن الرد الوحيد على الشائعة هو الفعل، وأن الدولة لا تُبنى بالصوت العالي بل بالعمل العميق.
وبينما كانت الحروب النفسية تشتعل، كان هو يفتتح مشروعًا جديدًا، أو يُطلق مبادرة تنموية، أو يذهب إلى موقع بناء في الصباح الباكر ليقول للناس: أنا هنا أعمل من أجلكم، فاعملوا معي.
تحوّل الصبر إلى سلاحٍ سياسي، وتحول الهجوم إلى وقودٍ للإنجاز، حتى صار الذين شككوا بالأمس يندهشون اليوم من حجم ما تحقق.
واليوم... بعد أحد عشر عامًا من تلك البداية العاصفة، يجلس الرئيس السيسي في قاعة مؤتمر السلام في شرم الشيخ، ليفتتح مؤتمرًا دوليًا للسلام وإنهاء الحرب على غزة بحضور الرئيس الأمريكي، وقادة أوروبا، وتركيا، وقطر، ودول كانت بالأمس القريب تهاجم مصر وتشكك في شرعيتها، ومؤتمر اليوم ليس مجرد مؤتمر. إنه مشهد اعتراف عالمي بالقيادة المصرية، فمصر لم تَعُد في موقع المتلقّي أو المراقِب، بل صارت في موقع المُوجِّه وصاحبة الكلمة المرجِّحة في أزمات المنطقة، من غزة إلى السودان إلى ليبيا.
وما كان بالأمس مؤامرة لإسقاطها، صار اليوم توافدًا لطلب رأيها وتنسيق المواقف معها، حتى أولئك الذين اختلفوا معها سياسيًا باتوا يدركون أن القاهرة وحدها تمتلك مفتاح التوازن في الشرق الأوسط، وأن بقاء الإقليم مرهون بثبات مصر.
لكن... كيف تغيّر المشهد؟ هذا هو السؤال الأهم اليوم!
لم يتغيّر العالم فجأة، بل غيّرته مصر بالصبر والعمل، فمنذ اللحظة الأولى، اختار الرئيس السيسي طريق البناء لا التطاول، طريق الدولة لا الانتقام، بدأ في ترميم مؤسسات الدولة، إعادة هيكلة الجيش، واستعادة روح الانضباط في مؤسسات الأمن، ثم انتقل إلى الاقتصاد، ففتح باب المشروعات القومية الكبرى: قناة السويس الجديدة، العاصمة الإدارية، شبكة الطرق العملاقة، مشروعات الطاقة، وتحقيق الاكتفاء من الغاز، حتى أصبحت مصر دولة مصدّرة بعد أن كانت تستورد احتياجاتها.
وفي السياسة الخارجية، أعاد رسم الخريطة بالكامل، فانفتحت مصر على روسيا والصين، واستعادت علاقاتها بأفريقيا، وأثبتت قدرتها على إدارة ملفات إقليمية شديدة الحساسية، من ليبيا إلى غزة، بحكمة نالت احترام الخصوم قبل الحلفاء، وفي المقابل، تراجعت نبرة العداء الغربي تدريجيًا، لأن الواقع فرض نفسه، فلا أمن في الشرق الأوسط بدون مصر، فمصر هي صمام التوازن، وهي الدولة الوحيدة التي يمكنها التحدث مع الجميع دون خصومة مطلقة أو تبعية عمياء.
والمواطن المصري الذي شاهد مشهد شرم الشيخ اليوم لم يكن يرى مجرد قاعة، بل كان يرى ملحمة نصر هادئ كتبه الله لمصر بعد أن صبرت واحتسبت، لقد واجهت مصر خلال العقد الماضي ما لم تواجهه دولة في العالم من إرهاب، حصار إعلامي، عزلة سياسية، ضغوط اقتصادية، ومؤامرات إقليمية... لكنها لم تسقط، لأنها ببساطة محمية بحماية تتجاوز القوة البشرية، وتُذكّرنا بما قاله المؤرخون منذ قرون: "مصر لا تُغلب إلا إذا أراد الله أن يفقدها رسالتها."
ويبدو أن الله أراد لها أن تظل حاملة الرسالة، لا أن تفقدها، وأرى ذلك أمام كل هذه التحديات إعجازا ربانيا جديدا في التاريخ الحديث.
وكل قارئ جيد للتاريخ، يدرك أن القصة مكررة وأن التاريخ يعيد نفسه، وأن كل بطولة أو رأي حر أو مستنير يواجه نفس المصير، لكن الإيمان بالحق يجعله ينتصر في النهاية، وفي بدايات حكم صلاح الدين الأيوبي، واجه أعنف حملة تشويه من داخل الأمة نفسها، وكان هناك أمراء ووزراء يرونه "مغتصبًا للحكم"، واتُّهم بأنه يريد توحيد العالم الإسلامي لحساب طموحه الشخصي، وتحالف ضده بعض المسلمين مع الصليبيين، وكتب الشعراء ضده، وحرّضت عليه عواصم الإسلام يومها (دمشق، الموصل، وحلب)، لكنه صبر، ولم يرد بالدم، بل وحّد الصفوف، وبنى جيشًا ودولة، حتى صار في النهاية رمز النصر والتحرير، وتحول من محاصر إلى محرر القدس، وصلاح الدين واجه اتهامات بالخيانة، حصارًا داخليًا، وتشويهًا من أقرب الدوائر - تمامًا كما واجه السيسي حملات من الداخل والخارج - لكنه آمن بالهدف، فصبر حتى فرض احترام العالم كله.
والإمام أحمد بن حنبل، وفي فتنة "خلق القرآن"، تعرّض لحصار فكري وسياسي، وسُجن وضُرب، واتُّهم بالتمرد على الخليفة، لكنه لم يتراجع، فصار رمزًا للثبات، وبعد سنوات من العزلة، عاد ليُكرَّم من الناس والسلطة على حد سواء، فالقيادة هنا ليست منصبًا بل مبدأ، والثبات أمام العاصفة هو ما يجعل القائد خالدًا في الذاكرة.
أما ونستون تشرشل، فبعد سقوط فرنسا عام 1940، وجد تشرشل نفسه يقود بريطانيا وحيدة أمام آلة هتلر العسكرية، والعالم كله تقريبًا كان يعتقد أن سقوط لندن مسألة وقت، وتعرض لحرب نفسية شرسة من داخل بلاده، من المعارضة والصحافة التي نادت بالتفاوض مع النازيين، لكنه تمسك بثباتٍ نادر، وقال جملته الشهيرة: "لن نستسلم أبدًا، وسنقاتل في البر والبحر والجو حتى آخر نفس." فكانت تلك الإرادة سببًا في بقاء بريطانيا، ثم قيادتها للعالم بعد الحرب.
ولم يكن انتصار تشرشل على النازية انتصارًا فرديًا، بل كان قائدًا ورئيسًا للوزراء البريطاني الذي قاد بلاده وحلفاءها إلى النصر النهائي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وكان دوره حاسمًا في إلهام الشعب البريطاني وقيادة المجهود الحربي ضد الفاشية، مستندًا إلى دعوته لإعادة التسلح ضد التهديد المتزايد للحرب. 
وقد واجه السيسي أيضا حملة عالمية وإعلامية ضخمة أرادت عزله، لكنه لم يخضع، بل حوّل العزلة إلى صلابة، والخوف إلى تصميم.
وفي تاريخ مصر الحديث، وبعد نكسة 1967، بدا أن مصر انهارت، والإعلام العالمي أعلن نهاية الحقبة الناصرية، وتعرّض الرئيس جمال عبد الناصر لهجوم نفسي غير مسبوق، داخليًا وخارجيًا، وخرج ليعلن تنحيه، فإذا بالشعب يرفض ويطالبه بالبقاء، لتبدأ مرحلة إعادة بناء الجيش المصري، وفي أقل من 6 سنوات، كانت مصر قد عبرت مرحلة الانكسار إلى التمهيد لنصر أكتوبر الذي حصد ثماره وحققه السادات، لكنه في جوهره كان ثمرة صمود جمال عبد الناصر وإعادة تأهيل وبناء الجيش المصري، ومثلما لم ينهزم ناصر أمام هزيمة مؤقتة، لم ينهزم السيسي أمام حصارٍ مؤقت، بل أعاد بناء الدولة من تحت الرماد.
ثم أن لنا في رسول الله النبي محمد ﷺ الأسوة الحسنة، ثلاث سنوات كاملة حُوصِر فيها النبي وأهله وأصحابه في الشُعب، قُطع عنهم الطعام والماء والزواج والتجارة، وانهالت عليه الشائعات والاستهزاء والتكذيب، حتى قال بعض قريش "لقد انتهى محمد وأصحابه"، لكن النبي صبر، وتحوّل هذا الحصار إلى بداية الانتصار، إذ خرج منه أقوى مما دخل، وأصبح بعدها في طريق الدولة والفتح.
إن الرسول ﷺ جسد صبر القائد على الحصار النفسي والاقتصادي والاجتماعي، ولم يساوم، فخرج منه مكرّمًا منتصرًا.
“وكما خرج النبي ﷺ من الحصار إلى النور، خرجت مصر (التي أوصى بها) من العزلة إلى القيادة، لأن الصبر على المبدأ هو سر النصر لا القوة.
إن ما واجهه القائد عبد الفتاح السيسي في بدايات حكمه من حصار نفسي وسياسي وإعلامي، يذكّرنا بما واجهه صلاح الدين يوم اتُهم بالانفراد، وما لقيه النبي عليه الصلاة والسلام في وقت الحصار، وما تحمّله تشرشل في ظلمة الحرب، فالقادة الكبار لا تُقاس قوتهم في الراحة، بل في العزلة، حين يصبرون حتى يلين لهم التاريخ نفسه.
إنها الرحلة من صبر الزعيم إلى يقين الأمة، والرئيس السيسي لم يردّ على خصومه بالهتاف أو الشعارات، بل بالصبر والعمل، ولم يُقابل الهجوم بالسباب، بل بالإنجاز، وشيّد بنية تحتية غيّرت وجه الوطن، وأعاد بناء الجيش والاقتصاد، وفتح ملفات ظلت مغلقة لعقود.
واليوم يجني هو ومصر ثمار ذلك الصبر، لا في شكل احتفالات، بل في شكل احترام دولي لا يُشترى ولا يُمنح صدفة.
وحين أرى الأعداء بالأمس يجلسون اليوم إلى طاولة واحدة تحت رئاسة مصر، أدرك أن الانتصار الحقيقي ليس عسكريًا بل حضاريًا وإنسانيًا، فمصر التي حاولوا أن يسقطوها، سقطوا عند أقدامها احترامًا، ومصر التي كانت تُتَّهم، أصبحت تُستشار، ومَن كان يضغط، صار يطلب.
ذلك مشهد يستحق أن تُدمع له العيون، لا حزنًا، بل خشوعًا أمام عظمة الله في حفظه لبلدٍ اسمه مصر، وفي تأييده لزعيمٍ يقودها اسمه عبد الفتاح السيسي.
 

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق