تمرّ هذه الأيام ذكرى ميلاد ورحيل أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 – 1932)، إذ يحتضن شهر أكتوبر ذكراه المزدوجة، فقد وُلد في مثل هذا اليوم 13 أكتوبر 1868، ورحل في 23 أكتوبر 1932. ويُعد شوقي أحد أبرز رموز الشعر العربي الحديث، ليس فقط بما قدّمه من إبداع في المسرح الشعري والقصيدة الوطنية، بل بما خلّفه من إرثٍ غنائي ضخم ظلّ يتردّد على ألسنة الأجيال.
عبد الوهاب وشوقي: شراكة الفن والبيان
كانت علاقة الشاعر أحمد شوقي بالموسيقار محمد عبد الوهاب من أكثر العلاقات الأدبية والفنية تأثيرًا في تاريخ الأغنية العربية. فقد تبنّى شوقي الشاب عبد الوهاب ورعاه فنيًا وأدبيًا، حتى صار صوته الواجهة الأجمل لشعره المغنّى.
لحّن عبد الوهاب وغنّى العديد من قصائد شوقي التي أصبحت علامات في تاريخ الغناء العربي، مثل:
"مضناك جفاه مرقده"، "جفنه علّم الغزل"، "كليوباترا"، "يا جارة الوادي"، و**"رمى القضاء بعينيك"**.
تلك الأغنيات جمعت بين رهافة الشعر الكلاسيكي وروح اللحن الحديث، فأسست لمدرسة جديدة في الغناء العربي الفصيح.
شوقي وأم كلثوم: الشعر في أبهى تجلياته
كانت كوكب الشرق أم كلثوم من أكثر الأصوات التي خلّدت شعر شوقي في ذاكرة المستمعين، فقد غنّت له عددًا من القصائد التي باتت جزءًا من التراث العربي.
من أشهرها قصيدة "وُلد الهدى" التي كتبها شوقي احتفاءً بمولد النبي محمد ﷺ، ولحّنها رياض السنباطي، فصارت أنشودة دينية خالدة.
كما غنّت له أم كلثوم "سلوا كؤوس الطلا"، و**"نهج البردة"، و"إلى عرفات الله"**، وهي قصائد تتراوح بين الديني والوجداني والوطني، جسّدت فيها بصوتها عظمة الكلمة وقوة الإحساس.
من المسرح إلى الأغنية
لم يكتفِ شوقي بكتابة القصائد الغنائية، بل قدّم نصوصًا شعرية تم تحويلها إلى أغانٍ مسرحية وأوبرات، مثل مقاطع من مسرحيته "مجنون ليلى" التي ألهمت موسيقيين ومطربين لاحقين.
كان يؤمن بأن الشعر يمكن أن يعيش في كل الفنون، فكتب بلغةٍ تجمع بين العمق والشفافية، وبين البيان والعاطفة، مما سهّل على الملحنين تحويل قصائده إلى أعمال غنائية راقية.
إرث متجدّد
ما يميّز أشعار أحمد شوقي المغنّاة أنها لا تزال حاضرة حتى اليوم في ذاكرة العرب؛ تُدرّس في المدارس، وتُعاد بصوت مطربين شباب في المهرجانات والحفلات، لتؤكد أن الشعر العربي حين يلتقي بالموسيقى الرفيعة، يظلّ خالدًا لا يشيخ.
0 تعليق