في الثالث عشر من أكتوبر عام 1988، دوى اسم نجيب محفوظ في سماء الأدب العالمي، حين أعلنت الأكاديمية السويدية فوزه بجائزة نوبل في الأدب، ليصبح أول أديب عربي يفوز بها، فاتحًا باب الاعتراف الدولي على مصراعيه أمام الأدب العربي، لم يكن اليوم عاديًا في ذاكرة الثقافة المصرية، بل يومًا انتصرت فيه الكلمة المصرية الصافية على العالم كله، بقوتها، وصدقها، وعمقها الإنساني.

رحلة الكلمة من الحارة إلى نوبل
لم يكن نجيب محفوظ مجرد روائي، بل مؤرخًا للروح المصرية، استطاع أن يصوغ حكايات الناس البسطاء في أحياء القاهرة القديمة بلغة فلسفية رفيعة، من حي الجمالية خرج الطفل الحالم ليكتب بعد عقود ثلاثية القاهرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، التي رصدت تحولات المجتمع المصري على مدى ثلاثة أجيال.
من هناك، بدأت رحلة طويلة مع الكتابة، امتدت لأكثر من نصف قرن، تناول فيها محفوظ قضايا الإنسان والمجتمع، السلطة والحرية، الدين والفكر، ليصبح شاهدًا على وجدان وطن بأكمله.

من القاهرة إلى ستوكهولم
لم يسافر نجيب محفوظ إلى السويد لتسلم الجائزة بسبب حالته الصحية، فنيابة عنه حضر ابنتاه فاطمة وأم كلثوم الحفل في ديسمبر 1988، وألقت الأكاديمية السويدية خطابًا مؤثرًا قالت فيه إن محفوظ “حمل روح الإنسانية عبر دروب القاهرة، وجعلها رمزًا لكل مدينة في العالم”.
وفي القاهرة، احتشدت كاميرات العالم أمام بيته في العجوزة، وجلس محفوظ متواضعًا بين أصدقائه وزملائه، يردد عبارته الشهيرة: “أنا مجرد موظف في خدمة الأدب".

نوبل التي غيرت نظرة العالم للعرب
لم تكن الجائزة تكريمًا شخصيًا فحسب، بل انتصارًا للأدب العربي كله، فقد فتحت الأبواب أمام القراء والناشرين العالميين لاكتشاف كنوز السرد العربي، ترجمت أعمال محفوظ إلى أكثر من ثلاثين لغة، وأعيد طبعها في كبرى دور النشر العالمية، وصار اسمه يذكر إلى جوار تولستوي، ماركيز، فوكنر، وبلزاك.

الأدب الذي صار حياة
لم يكن نجيب محفوظ كاتب روايات فقط، بل صانعًا لسينما مصرية خالدة، تحولت أكثر من 30 رواية وقصة من أعماله إلى أفلام جسدت واقع الإنسان المصري، منها: بداية ونهاية، اللص والكلاب، الطريق، الكرنك، زقاق المدق وغيرها.
امتزج الأدب بالسينما، وصار محفوظ مدرسة في كتابة الحوار، وتشكيل الشخصيات، وبناء الدراما الواقعية.

رحل نجيب محفوظ في أغسطس 2006، لكنه ترك إرثًا لا يقاس بعدد الصفحات، بل بعدد القلوب التي لامسها.
لقد أثبت أن اللغة العربية قادرة على التعبير عن الإنسان في أعمق صوره، وأن الواقعية ليست انغلاقًا في الحارة، بل نافذة تطل منها الإنسانية كلها.
يوم فوزه بجائزة نوبل سيبقى شاهدًا على أن الكلمة المصرية حين تصدق، تنتصر على العالم.




0 تعليق