الرقم وحده كان كافيًا ليُربك اليوم كله. ليس لأنه “رزقٌ مفاجئ”، ولا لأنه “فرصة لا تتكرر”، بل لأنه جاء في المكان الخطأ: داخل حسابٍ لا يفترض أن يستقبله، في توقيتٍ لا علاقة له بأي صفقة أو مستحقات.
في العادة، تبدأ الحكايات الكبيرة بتفاصيل صغيرة: رنين هاتف، اسم موظف بنك على الشاشة، جملة مقتضبة تُقال بلهجة عملية: “فيه تحويل اتسجل عند حضرتك بالغلط”. ثم يذكر الرقم. 3.3 مليون جنيه. فجأة يصير للخطأ وزنٌ محسوس، كأنه كتلة معدنية وُضعت في جيب لا يتّسع لها.
لم يفتح ماركو سامي، عضو مجلس إدارة شركة "SYNC للبرمجيات" باب الأسئلة التي يفتحها كثيرون في هذه اللحظات: من المخطئ؟ ما الإجراء؟ كم يستغرق؟ هل هناك حق قانوني في الانتظار؟ هل سيُكتشف الأمر سريعًا؟
هو لم يُجادل الفكرة، كأنه يعرف أن النقاش نفسه بداية زحزحة للمبدأ.
في عالم البرمجيات الذي يعمل به، هناك قاعدة غير مكتوبة: الخلل لا يُترك ليتأقلم. إن لم تُصلحه فورًا، سيتحوّل إلى سلسلة أخطاء؛ وسيصير من الصعب تحديد أين بدأت المشكلة أصلًا. ربما لهذا، تعامل مع الموقف كـ “Bug” مالي واضح: حدث في النظام خطأ، ويجب إرجاع المعاملة إلى مسارها الصحيح قبل أن تُنتج آثارًا جانبية.
ترك ما كان يقوم به، وتوجّه إلى فرع البنك. لم يذهب ليؤدي “واجبًا أخلاقيًا” كما تُكتب في الشعارات، بل ليُنهي واقعة لا يريد أن تكون جزءًا من يومه… ولا من سيرته.
في الفرع، المشهد أقل إثارة مما يتخيله الناس: أوراق، تواقيع، مراجعات، إجراءات يعرفها الموظفون كما يعرفون طريق القهوة. لكن المختلف كان الإيقاع: لا مساومة، لا تبرير، لا طلب وقت. فقط رغبة في أن يعود المال إلى مساره الطبيعي كما لو لم يمرّ من هنا.
وبينما تنشغل القواعد المصرفية عادةً بالتحقق والاحتراز، كان دافعه أبسط بكثير:
الشيء الذي لا يخصّك لا يحتاج إلى قصة طويلة كي تعيده.
المفارقة أن ما فعله لم يحتج بطولة خارقة بقدر ما احتاج “سلامًا داخليًا”؛ ذلك النوع من السكينة التي تأتي حين يكون القرار واضحًا، حتى لو كان ثقيلًا. فبعض القرارات لا تُقاس بما تكسبه منها، بل بما تمنع نفسك من أن تخسره: صورتك أمام ذاتك، ومقدرتك على النوم دون حسابات معلّقة.
داخل البنك، انتشر الخبر بين الموظفين والحاضرين كما تنتشر القصص النادرة: بسرعة، وبشيء من الدهشة. ليس لأن الأمانة “غير موجودة”، بل لأن الظروف الاقتصادية تجعلها اختبارًا أشدّ قسوة. وإعادة مبلغ بهذا الحجم، في هذا التوقيت، تقول شيئًا محددًا: أن القيم ليست رفاهية لغوية، بل نظام تشغيل كامل—إما يعمل، أو ينهار عند أول ضغط.
قصة ماركو سامي لا تحتاج زخرفة كي تقنع. هي لا تعد الناس بعالم مثالي، ولا تقدم درسًا جاهزًا. هي فقط تضعنا أمام سؤال بسيط لا يُطرح كثيرًا بصوتٍ عالٍ: ماذا تفعل حين يعطيك الخطأ ما لا تستحقه؟ وهل تتركه ليصبح “تفصيلة عابرة”… أم تعيده قبل أن تصبح أنت التفصيلة الأكثر التباسًا في القصة؟













0 تعليق