الإثنين 22/ديسمبر/2025 - 11:09 ص 12/22/2025 11:09:08 AM
فيلم فرانكنشتاين للمخرج جيرمو ديل تورو يأتي كضربة ف
نية مزهلة ورد مفحم علي الحكمة التقليدية بشأت تحقيق الاحلام الفنية ورضاء الجمهور فقد استطاع الكاتب والمخرج تورو ان يصنع شيئا جديد شديد الثراء والغرابة من قصة ظننا جميعا اننا نعرفها حق المعرفة.
ينجح فرانكنستاين الذي ينتمي لسينما القرن الحادي والعشرين في تحقيق ذلك من خلال بقاءه قريبا من مصدره الادبي الذي يعود الي القرن التاسع عشر حيث تدور رواية ماري شيلي التي اكتملت في العام 1818 بينما تدور احداث الفيلم 1857 اي بعد هدة سنوات من وفاة الكاتبة، ان وضع الحكاية في قلب العصر الفيكتوري يرسخها في تفاصيل تلك الحقبة التي قد تكون اكثر الفة للمشاهد المعاصر كما يتيح للعالم رؤية فيكتور فرانكنستاين/ اوسكار اسحاق لتسخير الكهرباء بشكل اكثر تكاملا وعند تصرفه وسيطرته في بث الحياة في جسد مخلوقه.
لكن سيناريو ديل تورو مستوحي بشكل كامل من الروح الاصلية للرواية، يبدأ الفيلم من حيث تنتهي الرواية في القطب الشمالي حيث يتبادل الصانع والمصنوع ادوار الصياد والفريسة حيث ان صانع الفيلم ينسج خيوط الحكاية بطرق تجعل العمل ليس فقط صادما ومخيفا بل ومؤثر بعمق يدمي القلوب، يوسع نطاق الانسانية التي سعي اليها جيمس ويل لتحقيقها في افلامه الكلاسيكية في الثلاثينات "فرانكنشتاين" و"عروس فرانكنشتاين".
وسوف يلاحظ خبراء افلام الرعب اشارات بصرية مستوحاه من اعمال ويل ومن اعمال فرانكنشتاين التي انتجتها شركة هامر، لكن ديل تورو لا يتكئ بصورة مبالغ فيها علي اعجابه بالتقاليد السينمائية القديمة، فالفيلم لا يحاول مداهنة الجمهور او بعث اشارات مجردة بل يؤمن بالقصة التي يرويها وينعقد عزمه علي الغوص في كل دلالاتها الفلسفية والروحية. ومن الناحية الجسدية يتعرض المخلوق- الذي يجسده "جاكوب ايلوردي" بقامة فارعة لكن بضعف وهشاشة ظاهرة لسوء معاملة اله بشري يصمم علي الطاعة الكاملة ليولد هذا الكائن في بؤس مطلق، لكن بمجرد ان يكتسب مخلوق فيكتور فرانكنستاين الوعي والقدرة علي القراءة والكتابة يبدأ عذابه الحقيقي من تساؤلات عن ماهية خلقه ومن اين جاء والي اين ينتمي ويدين نفسه بوصف نفسه وحشا وغريبا ابديا لا يجد وطنا في اي مكان ومنبوذا مساء فهمه من الجميع حيث ينقل ايلوردي في نقل ذكاء الوحش وحساسيته ورقته الفطرية ايضا، مشهد تصويره يمسك فأرا ويداعبه يحطم القلوب بهدوء لكنه يبرز القوة والغضب بشكل رائع:
اما شخصية فيكتور التي يقدمها اوسكار اسحق تتسم بطبيعة هوسية، فهو ليس مستهلكا في سعيه العلمي فحسب بل هو مهووس باقناع اقرانه وعائلته بصواب مايفعله فمن وجهة نظره ان الاخلاقيات العادية لا تنطبق عندما يتحدث المرء عن الحياة الابدية ولهذا السبب وضعت ماري شيلي عنوانا فرعيا بعنوان "بروميثيوس الحديث" فيعتقد فيكتور انه يصنع خيرا مطلقا واحيانا يتجاوز الخط الفاصل ليدخل في منطقة العالم الفذ المجنون التقليدي لكنه لا يسقط الي مستوي الابتذال، انت تفهم ما يدفعه لكنك لا تتعاطف معه تماما
تجلى بصمة ديل تورو في التصميم، بمساعدة فريقه المبدع (تاما ديفيريل وكيت هاولي)، حيث نرى تناغمًا بصريًا مذهلًا؛ فجذع المخلوق يبدو وكأنه مجموعة من الصفائح التكتونية المتلاحمة، وهو ما ينعكس بشكل رمزي حتى في تفاصيل أزياء الشخصيات الأخرى
تمتلئ الكادرات بألوان المخرج المفضلة، الأحمر والأسود، مما يخلق كابوسًا بصريًا فاتنًا، تعززه الموسيقى التصويرية الملحة لـ ألكسندر ديسبلا. في النهاية، نحن أمام عمل لا يعيد تقديم قصة قديمة فحسب، بل نحن أمام عمل لا يعيد تقديم قصة قديمة فحسب، بل يمنحها روحًا وفلسفة تجعلنا نتساءل مجددًا: من هو الوحش الحقيقي.













0 تعليق