أصدر البابا لاوُن الرابع عشر بابا الفاتيكان، ظهر اليوم الخميس، رسالته بمناسبة اليوم العالمي التاسع والخمسين للسلام، تحت عنوان: "السلام لكم جميعًا.. نحو سلام مُجرَّد من السلاح ويُجرِّد من السلاح"، مؤكدًا أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق عبر سباق التسلح أو الردع العسكري، بل من خلال نزع العنف من القلوب والعقول وبناء الثقة والحوار بين الشعوب.
“السلام لكم”: تحية تحمل مشروعًا عالميًا
استهل البابا رسالته بالتأكيد على أن تحية المسيح القائم من بين الأموات «السلام لكم» ليست مجرد أمنية روحية، بل مشروع تغيير جذري للواقع الإنساني، موضحًا أن سلام المسيح هو سلام متواضع، مثابر، خالٍ من السلاح، وقادر على مواجهة العنف دون أن يستنسخه.
وأشار إلى أن هذا السلام ينبع من الله الذي يحب الجميع دون قيد أو شرط، وهو سلام قادر على إنارة العقول ومقاومة منطق القوة والخوف الذي يهيمن على العالم المعاصر.
انتقاد منطق الحرب وسباق التسلح
وتطرقت الرسالة إلى تصاعد النزاعات المسلحة عالميًا، محذرة من التوسع غير المسبوق في الإنفاق العسكري، الذي شهد خلال عام 2024 زيادة بنسبة 9.4% ليصل إلى نحو 2.7 تريليون دولار، وهو ما يعكس – بحسب البابا – خللًا خطيرًا في أولويات المجتمع الدولي.
وأكد البابا أن الاعتماد على الردع، خاصة الردع النووي، لا يقوم على العدالة أو القانون، بل على الخوف، مشددًا على أن هذا المنطق يهدد الإنسانية جمعاء ويجعل العالم يعيش في حالة توتر دائم.
الذكاء الاصطناعي والحروب الحديثة
وحذر البابا من المخاطر المتزايدة لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، معتبرًا أن تفويض القرارات المصيرية للآلات يساهم في تمييع المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الموت والدمار، ويمثل تحديًا غير مسبوق للقانون الدولي والقيم الإنسانية.
دعوة إلى نزع السلاح من القلوب أولًا
وأكد البابا أن نزع السلاح لا يبدأ من الترسانات العسكرية فقط، بل من القلب والعقل واللغة، داعيًا إلى مقاومة تحويل الدين أو الأفكار أو الكلمات إلى أدوات للصراع والعنف، ومشددًا على مسؤولية المؤمنين في فضح استخدام اسم الله لتبرير الحروب أو القومية المتطرفة.
كما دعا إلى تعزيز الصلاة والحياة الروحية والحوار المسكوني والحوار بين الأديان، باعتبارها مسارات أساسية لبناء ثقافة سلام حقيقية.
السلام مسؤولية سياسية وأخلاقية
وشدد البابا لاوُن الرابع عشر على أن السلام ليس حلمًا مثاليًا بعيد المنال، بل مسؤولية واقعية تتطلب قرارات سياسية شجاعة، تقوم على إعادة بناء العلاقات الدولية على أساس الثقة المتبادلة، والوفاء بالالتزامات، واحترام القانون الدولي، ودعم الدبلوماسية والوساطة بدلًا من منطق القوة.
ختام الرسالة: رجاء في عالم مثقل بالصراعات
واختتم البابا رسالته بدعوة الشعوب والمجتمعات إلى عدم الاستسلام لليأس أو لمنطق «القدر المحتوم»، مؤكدًا أن بناء السلام يبدأ من المبادرات الروحية والثقافية والاجتماعية الصغيرة، وصولًا إلى السياسات الدولية الكبرى.
وأشار إلى أن يوبيل الرجاء يمثل فرصة لنزع السلاح من الحياة اليومية، واستعادة الإيمان بإمكانية عالم أكثر عدلًا وكرامة، مستشهدًا بنص نبوي يدعو إلى تحويل السيوف إلى أدوات حياة، والسير في نور السلام.






0 تعليق