يتسبب انتشار الأمية غير الأبجدية في الكثير من المآسي، ولعلها القائد الأساسي والخفي لحالة التعليقات السافلة والمنحطة التي كشفت عنها السوشيال ميديا، فأظهرت كم هو ملعون ومنتشر سرطان الانحدار العقلي والتبلد الوجداني، وبركان السطحية المتفجر باستمرار بسبب تايلر فيلم أو غلاف كتاب أو مشهد عابر أو تصريح غير دقيق أو مفبرك أو نص مبتور، والأنكى عندما يكون هناك رأي مختلف أو على غير الهوى. فتجد ملايين لا يعرفون أبسط طرق النقاش أو أول قواعد التعبير، فقط شتائم وشتائم وشتائم بلا انقطاع.
لا يعجبهم دور منى زكي في أداء شخصية أم كلثوم، ويكفي أن تعترض على الأداء لكنهم يشتمون منى زكي؟! لا يعجبهم فيديو دعم أحمد السقا لمحمد صلاح فلا يذكرون أسباب عدم الإعجاب، بل يشتمون السقا. هل هو مرض نفسي جماعي لقاعدة عريضة لا تعرف من حروف الكلام غير السباب؟ هل هو منتج كبت سنوات وقهر طويل وتعليم بلا إبداع وطفولة بلا خيال؟ أم هي عزلة عقلية ونفسية "عَطِنَت" من كثرة الركنة وعمق "العتمة"، وعندما حدث الانفتاح الإلكتروني خرجت روائح السنين و"الكمكمة"، وسببت العطور البديلة في بلبلة أذهان لا ترى غير أنفسها، وتريد أن يكون الكل مثلها في التطابق على نفس الشبه والصورة، بل ونفس الرائحة وعلى نفس الطريق والرصيف.
كم هو مؤلم مخطط خنق الخيال الذي يتبعه هؤلاء، خاصة عندما يقيمون الإبداع فيريدونه أن يقدم لهم نفس ما هو محفوظ لديهم بلا تغيير ولا تجديد. طبعًا من حقهم أن يرفضوا ما يُقدَّم، ولكن ليس من حقهم مصادرته ومنعه. فمثلًا يرفضون فيلم الملحد قبل مشاهدته حتى لا ينتشر الإلحاد؟! يرفضون فيلم الست لأنه تجاهل قصصًا يعرفونها بالفعل عن أم كلثوم.
إنهم يتعاملون مع السينما لا كصور ومشاهد وأداء وإضاءة وموسيقى وديكور، بل ككتاب يعطيهم درسًا في الحياة، لذلك يبحثون ويسألون عن رسالة الفيلم، لا عن الإبداع الذي قُدِّم حتى لو اختلفنا معه أو لم نعجب به.
فمثلًا تلح عليّ من كثرة قراءتي عن دور أم كلثوم الوطني في المجهود الحربي بعد هزيمة يونيو، والحفلات التي أقامتها في سبيل جمع التبرعات للجيش، فكرة خيالية لفيلم بعنوان "اغتيال أم كلثوم"، وهي أن الموساد إذ تتبع دعمها الكبير وكثرة ما جمعت من أموال لتسليح الجيش قرر أن يغتالها ويجند عملاء لذلك، وكيف تنجح الدولة المصرية في حمايتها وإنقاذها. إنه فيلم مغامرات ومطاردات شيق ومثير عن أم كلثوم.
لكن العقليات المعلوبة والمبرمجة سوف ترفض ذلك باعتبار أنه لم يحدث. فهم لا يعرفون أن الاستمتاع إن قدمه الفيلم هو رسالة في حد ذاته، بل والتسلية فقط هي رسالة أيضًا، رسالة عظيمة. إن المصادرة تخنق الخيال وتعيق تقديم تجارب إبداعية مميزة تخرج عن المألوف فتصنع متعة مطلوبة في مجتمع يعتبر أن كل أشكال المتعة "حرام"، وأن الاستمتاع فن حتى لو كان في أمور بسيطة مثل شرب الشاي أو القهوة أو حتى مجرد المشي، فما بالنا بمتعة الاختلاف. للأسف لم يعلمنا أحد أن نستمتع بالحياة حتى في أحلك الأوقات.
افيه قبل الوداع
* الفيلم لم يعجبني
* حقك
* الممثلة كذا وكذا
* مش من حقك
.. شفت الأمر بسيط إزاي








0 تعليق