أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان ، التقرير السنوي الثامن عشر للمجلس القومي لحقوق الإنسان بوصفه وثيقة وطنية مستقلة ترصد وتقيم حالة حقوق الإنسان في مصر خلال عام اتسم بتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة على المستويين الإقليمي والدولي.
التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان
ويستند التقرير إلى مرجعية دستورية واضحة، وإلى التزامات مصر الدولية، مع اعتماد منهجية وصفية تحليلية تسعى إلى الموازنة بين رصد الوقائع، وتقييم السياسات العامة، وتقديم توصيات قابلة للتنفيذ.
وأكد «التقرير »، علي أن يعكس التقرير تطورًا ملحوظًا في إدراج ملف حقوق الإنسان ضمن أولويات النقاش العام، سواء من خلال الخطاب الرسمي، أو السياسات الاجتماعية، أو التفاعل مع الآليات الدولية، وفي مقدمتها الاستعراض الدوري الشامل. وفي الوقت ذاته، كما يؤكد التقرير أن هذا التقدم لا يلغي وجود تحديات هيكلية تتطلب معالجات أعمق وأكثر استدامة لضمان تحويل الالتزامات المعلنة إلى ممارسات فعلية يشعر بها المواطن.
الحقوق المدنية والسياسية
على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، يرصد التقرير عددًا من المؤشرات الإيجابية، من بينها استمرار الإفراج عن دفعات من المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم بقرارات رئاسية، واتساع نطاق الحوار حول قضايا المجال العام، فضلًا عن التفاعل الإيجابي مع المراجعة الدورية الشاملة وقبول عدد كبير من توصياتها. في المقابل، يسلط التقرير الضوء على استمرار بعض الإشكاليات، وعلى رأسها طول مدد الحبس الاحتياطي في بعض القضايا، وحالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز، بما يستدعي تعزيز الضمانات القانونية، وتكثيف الرقابة القضائية، وضمان الرعاية الصحية الملائمة.
حرية الرأي والتعبير
وفي مجال حرية الرأي والتعبير، يشير التقرير إلى انخفاض نسبي في أعداد المحتجزين على خلفية قضايا النشر مقارنة بسنوات سابقة، لكنه يؤكد استمرار وجود تحديات مرتبطة ببيئة العمل الإعلامي، وغياب قانون لتداول المعلومات، واستمرار حبس أو التحقيق مع بعض الصحفيين. ويبرز التقرير أهمية عدد من الأحكام القضائية الصادرة خلال فترة الرصد، ولا سيما حكم المحكمة الدستورية العليا الذي رسخ مبدأ حماية النقد الموجه للعمل العام باعتباره جزءًا أصيلًا من حرية التعبير.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيقدم التقرير قراءة واقعية لتأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية ومعدلات التضخم على مستوى معيشة المواطنين. ويسجل الجهود المبذولة لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصدار تشريعات جديدة مثل قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل، باعتبارها خطوات مهمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية. غير أن التقرير يشير إلى أن هذه الجهود ما زالت بحاجة إلى سياسات أكثر شمولًا لضمان وصول الأثر إلى الفئات الأكثر هشاشة، وتقليص الفجوات بين المناطق والمحافظات.
وفي قطاع الصحة، يثمن التقرير المبادرات الوطنية للكشف المبكر عن الأمراض وتوسيع مظلة التأمين الصحي، مع الإشارة إلى استمرار التفاوت في مستوى الخدمات ونقص الموارد البشرية في بعض المناطق. وفي التعليم، يتناول التقرير التوسع في التحول الرقمي وتطوير البنية الأساسية، مقابل تحديات قائمة تتعلق بالكثافة الطلابية وجودة التعليم والفجوة بين الريف والحضر.
ويولي التقرير اهتمامًا خاصًا بحقوق الفئات الأولى بالرعاية، باعتبارها مقياسًا جوهريًا لمدى فعالية السياسات العامة. وفي هذا السياق، يتناول أوضاع النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن واللاجئين والمهاجرين، مشيرًا إلى تطورات تشريعية وبرامج تنفيذية هدفت إلى تعزيز الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي، ومكافحة التمييز، وتوسيع فرص الإدماج. ويثمن التقرير الخطوات المرتبطة بدمج منظور النوع الاجتماعي في بعض السياسات والبرامج، مع التأكيد على أن التحدي الحقيقي يظل في ضمان التطبيق المتكافئ لهذه السياسات، خاصة في المناطق الأكثر احتياجًا.
كما يعالج التقرير قضية الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية في ظل التحول الرقمي المتسارع، معتبرًا أن التوسع في الخدمات الرقمية يجب أن يقترن بضمانات قانونية وتقنية تحمي بيانات المواطنين، وتمنع إساءة استخدامها. ويشدد التقرير على أهمية الإسراع في استكمال الأطر التنفيذية لقوانين حماية البيانات، ورفع الوعي المؤسسي والمجتمعي بهذه الحقوق، بما يعزز الثقة في التحول الرقمي ويضمن اتساقه مع المعايير الحقوقية.
ويؤكد التقرير أن العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية علاقة تكامل لا تعارض، مشددًا على أن السياسات الاقتصادية الناجحة هي تلك التي تضع الإنسان في صدارة أولوياتها. وفي هذا الإطار، يبرز التقرير أهمية تبني مقاربات قائمة على العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتوزيع عادل للموارد، بما يسهم في الحد من الفقر وعدم المساواة، ويعزز الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.
وعلى مستوى أداء المجلس، يستعرض التقرير أنشطته الوطنية والدولية، بما في ذلك تلقي الشكاوى ومتابعتها، والزيارات الميدانية، وبناء الشراكات المؤسسية، والمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية.
كما يؤكد التقرير التزام المجلس بالحفاظ على تصنيفه في الفئة (أ) وفقًا لمبادئ باريس، ومواصلة جهوده لتعزيز استقلاليته وتطوير بنيته المؤسسية.
ويخلص التقرير إلى أن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال فترة الرصد تعكس مسارًا مركبًا يجمع بين خطوات إصلاحية ملموسة وتحديات قائمة، مؤكدًا أن تحقيق تقدم مستدام يتطلب تعزيز سيادة القانون، وتوسيع المشاركة المجتمعية، وتطوير آليات المتابعة والمساءلة، وترسيخ الشراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. ويقدم التقرير توصيات تستهدف دعم هذا المسار، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن حقوق الإنسان تشكل ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية وبناء الثقة بين الدولة والمواطن.
وفي ختام الملخص التنفيذي، أكد التقرير أن تعزيز منظومة حقوق الإنسان في مصر يظل مسارًا تراكميًا يتطلب نفسًا طويلًا، وإرادة سياسية مستمرة، وتعاونًا مؤسسيًا ومجتمعيًا واسعًا. ويشدد المجلس القومي لحقوق الإنسان على أن التقرير لا يمثل نهاية تقييم، بل نقطة انطلاق لنقاش وطني أعمق حول سبل تطوير السياسات العامة، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات، بما يدعم بناء دولة حديثة تقوم على الكرامة الإنسانية والمواطنة والمساواة.
تعزيز منظومة حقوق الإنسان في مصر يظل مسارًا تراكميًا يتطلب نفسًا طويلًا، وإرادة سياسية مستمرة، وتعاونًا مؤسسيًا ومجتمعيًا واسعًا.
ويشدد المجلس القومي لحقوق الإنسان على أن التقرير لا يمثل نهاية تقييم، بل نقطة انطلاق لنقاش وطني أعمق حول سبل تطوير السياسات العامة، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات، بما يدعم بناء دولة حديثة تقوم على الكرامة الإنسانية والمواطنة والمساواة.










0 تعليق