تنتشر بين الأطفال والمراهقين أحيانًا ظاهرة تُعرف شعبيًا بتحدي “الجولة”، حيث يقوم مجموعة من الأصدقاء بتشكيل دائرة ويضربون بعضهم البعض لمعرفة من الأقوى جسديًا. قد يبدو هذا مجرد تحدٍ مرح، لكنه في الحقيقة يحمل مخاطر جسدية ونفسية كبيرة، ويعكس تأثير ضغط الأقران على السلوكيات العدوانية المبكرة. علميًا، يُصنف هذا السلوك تحت مسمى “السلوك العدواني التنافسي بين الأقران” أو Peer-to-Peer Competitive Aggressive Behavior، ويعكس دوافع مثل الرغبة في إثبات القوة، والانتماء للمجموعة، والبحث عن الإثارة، وتقليد سلوكيات مشهورة على الإنترنت.
ضغط الأقران يلعب دورًا كبيرًا، فالأصدقاء يمكن أن يؤثروا على قرارات الأطفال والمراهقين، خصوصًا عندما يسعون للقبول والانتماء الاجتماعي. الدراسات تشير إلى أن أكثر من 60% من المراهقين يشاركون في سلوكيات خطرة تحت تأثير أقرانهم، وأن الأطفال الذين يشعرون بالرفض أو الرغبة في الانتماء يكونون أكثر عرضة لهذه التحديات.
الأثر على الأطفال يشمل الإصابات الجسدية مثل الكدمات والجروح، وقد يصل أحيانًا إلى كسور أو ارتجاجات دماغية، بالإضافة إلى التأثيرات النفسية كزيادة القلق والتوتر وضعف احترام الذات، وقد يتطور السلوك العدواني لديهم ويؤثر على علاقاتهم الاجتماعية.
خطوات عملية للأهل للتعامل مع الظاهرة:
1. التواصل الودي والمفتوح مع الطفل: الاستماع إلى مشاعره وتجربته دون لوم، وتوضيح مخاطر العنف وأهمية احترام الآخرين.
2. تعليم مهارات الرفض بثقة: مساعدة الطفل على قول “لا” أمام ضغط الأقران بطريقة واضحة وآمنة.
3. توفير بدائل آمنة: تشجيع الأنشطة الرياضية الجماعية والتحديات الإيجابية التي تتيح التنافس دون إيذاء أحد.
4. مراقبة وسائل التواصل: متابعة المحتوى الذي يشاهده الطفل لتجنب التقليد السلبي للتحديات الخطرة.
5. التعاون مع المدرسة أو النادي: إشراك المعلمين والمدربين في مراقبة هذه السلوكيات وتطبيق قواعد صارمة ضد العنف.
6. اللجوء إلى متخصص نفسي أو مستشار تربوي عند الحاجة: في حال استمرار السلوك العدواني أو ظهور علامات قلق أو توتر شديد، فإن المتخصص يمكنه تقديم استراتيجيات فردية للطفل وللأسرة للتعامل مع الموقف بطريقة علمية وآمنة.
تشير الدراسات العلمية إلى أن العنف بين الأطفال في المدارس مرتبط بزيادة مستويات الاكتئاب والقلق بنسبة تصل إلى 25%، وأن ضغط الأقران يضاعف فرص المشاركة في سلوكيات عنيفة أو تحديات جسدية خطرة. كما أظهرت بيانات وزارات التربية والتعليم في عدة دول أن الأطفال الذين يتعرضون لهذه التحديات بشكل دوري يكونون أكثر عرضة لمشاكل سلوكية تصل إلى التنمر أو العزلة الاجتماعية.
تحدي “الجولة” ليس مجرد لعبة طفولية، بل هو مؤشر على سلوك عدواني تحت تأثير ضغط الأقران، وقد يكون له آثار جسدية ونفسية خطيرة على الأطفال والمراهقين من كل الطبقات الاجتماعية. الوعي الأسري والتربوي والتدخل المبكر، مع دعم متخصص عند الحاجة، هما المفتاح لحماية الأطفال من هذه الظاهرة، وتعليمهم طرقًا آمنة للتعبير عن طاقتهم وقوتهم، بعيدًا عن الأذى أو المخاطر.







0 تعليق