الناقد الذي كان يشبه الكلمة… وداعًا محمد عبد المطلب

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في صباحٍ يثقل فيه الهواء، وتغيم فيه ملامح النهار، رحل الدكتور محمد عبد المطلب… رحل بصمت العلماء الذين اعتادوا أن يتركوا أثرهم في الكتب والعقول، لا في الضجيج ولا في صخب الأضواء. 

رحل الرجل الذي كان يُشبه النقد نفسه: واضحًا حينًا، دقيقًا حينًا آخر، وحادًّا حين تقتضي الحقيقة ذلك، لكنه ظلّ — في عمقه — رحيمًا بالكتابة، مُنصفًا للغة، عاشقًا للكلمة. 

لم يكن الدكتور محمد عبد المطلب ناقدًا عابرًا في ساحة مزدحمة بالأصوات، بل كان أحد أعمدتها الراسخة؛ ناقدًا حمل همّ القصيدة العربية الحديثة، وقرأها بعين البصير لا بعين المراقب، وبقلب من يعرف أن الشعر وطنٌ لا يسكنه إلا القليل. 

كان يلتقط من النصوص ما تخفّى على غيره، ويعيد ترتيب جمالياتها كما يعيد الصائغ تشكيل الذهب المطمور ليعيد إليه بريقه. 

كان عبد المطلب مدرسة قائمة بذاتها: مدرسة تؤمن بأن النقد ليس سلطة على النص، بل مسؤولية تجاهه؛ ليس قفصًا يُحاصر القصيدة، بل نافذة يُفتح عبرها الضوء.

 لذلك ظل أثيرًا لدى طلابه، مُهابًا لدى مجايليه، ومحبوبًا لدى كل من عرفه في مسيرته الطويلة بين الجامعة والمنابر النقدية والمؤتمرات والكتب. واليوم، إذ نودّعه، ندرك أن الساحة فقدت واحدًا من أهم حراسها؛ رجلًا جمع بين العلم والذوق، وبين الصرامة والمنهج، وبين محبة الشعر وفهمه، وبين الدراسة الأكاديمية العميقة والاقتراب الإنساني الحميم من الكلمة. 

رحل عبد المطلب تاركًا وراءه مكتبة من الأفكار، وطلابًا يسيرون على أثره، ونقادًا تتلمذوا على صوته، وقرّاء أحبّوا الشعر لأنّه أعاد إليهم إيقاعه الأصيل..  سلامٌ على روحه، وسلامٌ على ما تركه لنا من نور، وسلامٌ على رجلٍ عاش للنص… ثم رحل وبقي النص يشهد بأنه مرّ من هنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق