المساحة التي يتم تفريغها من الفن والأدب والفكر، يحتلها على الفور الأخطبوط السلفي والرجعية الأصولية. فهي ببساطة وقوة تملأ أي فراغ، سواء كان مقصودًا أو غير مقصود، طبيعيًا أو مصنّعًا. هي مادة رخوة تندلق بيسر وتسد كل منافذ التنفس، وفي ثوانٍ تتحول إلى كتلة صلبة تسود أيامنا وتزيد من كآبتها وقسوة غباوتها. فهي بكل عنفوان ترمي كرسيًا في أجمل فرح فتقلبه إلى ميتم، وتحطم كل كلوب يشع نورًا لعشقها الكبير للظلام. وتقف حجر عثرة أمام الحداثة لأنها تذوب ولها في مستنقعات العصور الوسطى.
لذلك لا أتعجب من الهجمات المرتدة التي تسددها الجبهات السلفية لكل أنوار الحاضر وملامح المستقبل. فتظهر أصواتهم المنكرة تهاجم حضارتنا المصرية العريقة، أعظم حضارة شهدتها الإنسانية، وتشُد رحالها إلى المتحف الكبير، مفخرة مصر أمام العالم. فتخرج أصواتهم تحرّم زيارته من ناحية، ويظنه أحدهم سرادق عزاء فيذهب ليقرأ فيه ربعًا. بل ويصل الأمر إلى ما أشيع عن مرشدة سياحية – تأكل عيشها – من إرشاد السائحين إلى حضارتنا، إلى لطم تمثال على وجهه باعتباره ممثلًا للكفرة.
وهي نوعية تتكرر في مجالات أخرى مثل ممثلين ومغنين يحصدون الملايين من التمثيل والغناء، لكنهم في قرارة أنفسهم تتمدد السلفية الرخوة فيعلنون أنهم ينتظرون لحظة التوبة لأن التمثيل والغناء حرام. (يا سنة سوخة.) ولا فرق بينهم. فقد استغلت تلك الرجعية مساحات الفراغ العقلية، واختفاء مجلات فنية مثل مجلة "الكواكب" وصحف تميزت بالرياضة مثل "المساء"، مع شح شديد في إنتاج الأفلام السينمائية المتميزة، التي جعلتنا نترحم على تنوع وتعدد الإنتاج في السنوات الماضية، مع تسلط رقابة تمنع أفلامًا مثل "الملحد" و"آخر المعجزات"، وتترك الساحة لجرعات أصولية مكثفة تتغلغل في كل الأركان.
لدرجة أن الساحة الآن تحتلها مجلة دينية تصدرها مؤسسة ضخمة، ومع كل عدد منها كتابان هدية وبسعر أقل من الرمزي. الغريب أن يستنكر البعض بعد كل هذا الفراغ الهجمات السلفية الكبيرة التي تقف ضد التقدم والازدهار الاقتصادي. ولا يختلف الأمر كثيرًا: أن تعمل على تطوير وإحياء مسار العائلة المقدسة وتصرف ملايين في سبيل ذلك لجذب المسيحيين في العالم لزيارته، ثم يتصدر الواقع جلسة عرفية وعقاب جماعي لأقباط إحدى القرى في المنيا لأن طفلًا منهم قيل إنه أحب فتاة غير مسيحية.
إن اللحظة التي يدرك فيها الجميع خطورة تلك الهجمات البشعة على الحضارة الإنسانية والنمو الاقتصادي، هي لحظة الإفاقة ضد الرخاوة القاتلة.
أفيه قبل الوداع
هي من فوق ما نتمه مع عمرو خالد، ومن تحت ما نتمه مع عمرو دياب.
عادل إمام يصف فتاة لابسة طرحة وعارية البطن في فيلم مرجان أحمد مرجان كأنه يصف بلد.







0 تعليق