الإرهاب في مالي.. نار تحت الرماد تهدد أمن الساحل

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعيش مالي منذ أكثر من عقد على وقع تصاعد العمليات الإرهابية التي حولت هذا البلد الإفريقي الغني بالموارد إلى ساحة صراع معقدة تتقاطع فيها مصالح دولية وأطماع محلية. 

فمنذ اندلاع التمرد المسلح في شمال البلاد عام 2012، تحولت المنطقة إلى بؤرة للجماعات المتطرفة التي تتبع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني وتآكل سلطة الدولة المركزية.

تتمركز الجماعات المتشددة في مناطق الشمال والوسط، مستغلة الطبيعة الجغرافية الوعرة وضعف البنية الأمنية لتوسيع نفوذها. 

وقد أدى انسحاب القوات الفرنسية وقوات مينوسما الأممية إلى ترك فراغ أمني كبير، سرعان ما استغلته التنظيمات الإرهابية لتكثيف هجماتها ضد المدنيين والجيش، ما جعل القرى والطرق الريفية مسرحًا دائمًا للعنف.

خلال الأشهر الأخيرة، شهدت مالي سلسلة من الهجمات الدامية التي راح ضحيتها العشرات من الجنود والمواطنين، في وقت تحاول فيه الحكومة الانتقالية بقيادة العسكر فرض قبضتها الأمنية بمساعدة مجموعات فاغنر الروسية. 

إلا أن وجود هذه القوات لم ينجح حتى الآن في كبح تصاعد الهجمات، بل أثار جدلًا واسعًا حول الانتهاكات بحق المدنيين والاعتماد المفرط على الحل العسكري بدلًا من المعالجة السياسية والتنموية.

ورغم الحملات العسكرية المكثفة، ما زالت التنظيمات المتطرفة قادرة على التحرك بحرية في مناطق واسعة، معتمدة على شبكات تهريب السلاح والمخدرات وفرض الإتاوات على السكان. كما تستفيد هذه الجماعات من الانقسامات العرقية بين الطوارق والفولاني، ومن غياب الدولة في المناطق النائية، مما يمنحها بيئة خصبة لتجنيد الشباب المحبطين والعاطلين عن العمل.

في المقابل، تتراجع ثقة المواطنين في الحكومة المركزية بسبب فشلها في تحقيق الأمن والخدمات الأساسية.

 هذا الفراغ جعل بعض القرى تلجأ إلى عقد اتفاقات محلية غير رسمية مع الجماعات المسلحة لتأمين الحد الأدنى من الحماية، في مشهد يعكس مدى انهيار سلطة الدولة في الأطراف.

دوليًا، تتابع القوى الكبرى تطورات المشهد في مالي بقلق، فواشنطن وباريس تعتبران أن تمدد الجماعات الموالية لـ"القاعدة" و"داعش" في الساحل يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الدولي. 

بينما تحاول روسيا تعزيز نفوذها عبر الوجود العسكري غير الرسمي، في إطار صراع جيوسياسي متزايد على النفوذ في إفريقيا.

ويرى محللون أن معالجة أزمة الإرهاب في مالي لن تكون ممكنة دون مقاربة شاملة تربط بين الأمن والتنمية، فالقصف وحده لا يكفي لإخماد جذوة التطرف. ويؤكد الخبراء أن الحل يبدأ من إعادة بناء الدولة، وتحقيق المصالحة بين المكونات العرقية، وفتح فرص عمل للشباب، إلى جانب تعاون إقليمي فعّال يضمن ضبط الحدود ومنع تدفق السلاح.

لكن حتى الآن، تبقى هذه الرؤى مجرد طموحات على الورق، بينما الواقع يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.

 فمالي تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، بين استعادة استقرارها وبناء مستقبلها، أو الغرق أكثر في دوامة العنف التي تبتلع الساحل الإفريقي بأكمله.
 

أخبار ذات صلة

0 تعليق