بين السطور.. مصر تختار المستقبل

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع انطلاق معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للاتصالات Cairo ICT 2025 اليوم، لا نتعامل مع حدث تكنولوجي دوري بقدر ما نقف أمام منصة إقليمية صارت - بحكم الواقع لا الشعارات - الأبرز عربيًا وأفريقيًا في مناقشة مستقبل التكنولوجيا. هذا المعرض، الذي بات جزءًا من خريطة القوة الناعمة الاقتصادية لمصر، يرسل هذا العام رسائل أوضح من أي وقت مضى: نحن أمام دولة قررت أن الانتقال إلى الاقتصاد الرقمي ليس رفاهية، بل مسار وجودي لا بديل عنه.

ما يميّز دورة هذا العام ليس عدد الشركات المشاركة ولا حجم الأنشطة، بل الإطار الذهني الذي تُفتح به أبواب المعرض: الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد توجه عالمي؛ بل أصبح الركيزة التي تُعاد على أساسها صياغة القطاعات الإنتاجية والخدمية في مصر. واللافت أن الدولة تتعامل مع هذا التحوّل بقدر عالٍ من الواقعية: لا خطاب احتفالي ولا قفز فوق التحديات، بل عمل متدرج لإعادة بناء الاقتصاد من بوابة الابتكار والتقنيات الناشئة.

 Cairo ICT لم يعد مجرد منصة لعرض المنتجات، بل مختبر سياسي-اقتصادي يُقاس من خلاله مدى قدرة مصر على الدخول في سباق عالمي شرس. فحديث “مصر كمركز إقليمي لصناعة الذكاء الاصطناعي” لم يعد أمنية؛ بل مسار تعمل عليه الدولة عبر ثلاثة محاور واضحة:
أولها، الاستثمار في البنية التحتية الرقمية التي تسمح للذكاء الاصطناعي بأن يصبح جزءًا طبيعيًا من دورة الإنتاج. وثانيها، توسيع قاعدة المهارات البشرية، عبر خطط التدريب التي تتجه لتأهيل مئات الآلاف سنويًا. وثالثها، فتح المجال أمام الشركات العالمية والإقليمية لعقد شراكات طويلة الأمد، بما يعيد دمج مصر في سلاسل القيمة التكنولوجية.

إن حضور هذا العدد من المؤسسات الحكومية والبنكية والتكنولوجية ليس تفصيلًا بروتوكوليًا. هو إشارة إلى أن التحول الرقمي لم يعد مشروع وزارة الاتصالات فقط، بل مشروع دولة تعيد بناء نموذج نموها الاقتصادي. وإذا ما استمر هذا التوجه، فالأرجح أن القاهرة ستتحول خلال سنوات قليلة إلى نقطة ارتكاز لأسواق الذكاء الاصطناعي في المنطقة، خاصة في ظل احتياج الشرق الأوسط وأفريقيا لمنصات موثوقة تُنسّق الجهود وتبني القدرات.

وفي لحظة عالمية مضطربة، حيث تتداخل الجغرافيا بالاقتصاد والتكنولوجيا، تبدو جرأة مصر على إعلان “طريق بلا عودة نحو التحول الرقمي” خطوة محسوبة تسبق موجات التغيير بدل أن تُجبر على ملاحقتها.

دورة هذا العام ليست مجرد بداية موسم جديد للتقنية؛ إنه رسالة سياسية واقتصادية من العيار الثقيل:
مصر قررت أن تتحول من مستخدِم للتكنولوجيا إلى مُنتج لها… ومن سوق استهلاكية إلى مركز إقليمي يقود الذكاء الاصطناعي والابتكار والشراكات الدولية.

وفي عالم لا ينتظر المترددين، تبدو هذه اللحظة- ببساطتها ووضوحها - إعلانًا رسميًا بأن مصر تختار المستقبل، وتتصرف وفق ذلك دون ضوضاء… ودون رجعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق