قدوات الشاشة.. تأثير الإعلام على بناء شخصية الطفل ومسؤولية الأسرة في التوجيه

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عالمٍ أصبح فيه الإعلام جزءًا أصيلًا من تفاصيل حياتنا اليومية، لم يعد دور الأسرة يقتصر على توفير التربية المباشرة داخل المنزل فقط، بل باتت مطالبة بمتابعة كل ما يتسلل إلى عقول الأطفال وقلوبهم عبر الشاشات. فاليوم، يشاهد الصغار شخصيات إعلامية أكثر مما يشاهدون معلميهم أو حتى أفراد أسرهم. وبالتالي، تتحول تلك الشخصيات إلى قدوة مؤثرة في سلوكهم وأحلامهم ولغتهم وحتى طريقة تعاملهم مع الآخرين.

ومن جهة أخرى، لا يعي العديد من الأطفال الفرق بين الواقع والخيال؛ فهم يصدقون ما يرونه على الشاشة ويقتدون به دون تفكير. فإذا وجدوا قدوتهم العشوائية تمجّد العنف أو السلوكيات غير الأخلاقية، فسيصبح هذا السلوك بالنسبة لهم أمرًا طبيعيًا، والعكس صحيح. لذلك، فإن اختيار القدوة الإعلامية مسؤولية تربوية كبيرة، يجب ألا تُترك للمصادفة أو لعشوائية المحتوى.

كذلك، فإن تنوّع المنصات الإعلامية وانتشارها الواسع جعل التحكم في المحتوى صعبًا نسبيًا، لكنّه لم يعد مستحيلًا. فالأم والأب قادران على وضع قواعد واضحة للمشاهدة، وتوجيه طفلهم نحو البرامج التعليمية الهادفة، التي تنمي مهاراته وتوسع مداركه، بدلًا من البرامج التي تهدر وقته وتشتت تركيزه. كما أن التواصل والحوار مع الطفل حول ما يشاهده، يساعده على تحليل الرسائل الإعلامية وعدم تقليد كل ما يُقدّم له دون وعي.

واللافت أيضًا أنّ البرامج الراقية التي تعزّز القيم والأخلاق، قادرة على بناء أجيال أكثر احترامًا للقانون وأكثر وعيًا بأهمية العلم والعمل والتعاون. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلام الجيّد يستطيع كشف مواهب الأطفال وتشجيعهم على الابتكار والبحث والاكتشاف، عندما يراهم يتماهون مع نماذج إيجابية ناجحة وصادقة.

أما المجتمع والدولة، فلهما دور لا يقل أهمية؛ إذ يجب العمل على دعم المحتوى الإعلامي الموجّه للأطفال وتشجيع الإنتاج الذي يرسّخ الهوية الوطنية، ويحافظ على اللغة العربية، ويقدّم صورة مشرّفة عن ثقافتنا وقيمنا. كما ينبغي وضع ضوابط صارمة لحماية الأبناء من النماذج المشوّهة التي تهدد القيم والأخلاق وتخلق اضطرابًا في شخصية الطفل وهويته.

ومن هنا، نستطيع القول إن القدوة على الشاشة قد تكون جسرًا نحو مستقبل أفضل، أو طريقًا نحو الانحراف الفكري والسلوكي. والاختيار دائمًا يعود للأهل وللرقابة الواعية. فحين نختار لأطفالنا من يستحق أن يكون قدوة لهم، فإننا نمنحهم دليلًا مضيئًا يرافقهم في رحلة النمو، ويصنع منهم شبابًا أكثر قوة ووعيًا وثقةً في أنفسهم ووطنهم.

*باحثة دكتوراه فى الإعلام التربوي بجامعة عين شمس

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق